من نتفليكس- مصّاصة دماء وأمّ... و"حقيقة المسلم" في "Blood Red Sky"

لم تعد تستهويني مؤخراً الأفلام التي تحمل الطابع الإجرامي والدموي، لأنّ "قلبنا من الحامض لاوي"، فما يقدم لنا في لبنان تفوّق على أهم المنصات الرقمية من عروض مباشرة. يقدم في شوارعه كل أنواع التشويق والإثارة والإجرام، حتى إن في لبنان لا حاجة للدوبلير، ففي انفجار الرابع من آب قرر صنّاع المآسي أن يفدوا بالمواطنين وفجّروهم في مشهد حيّ وعلى مرأى من العالم من دون سابق إنذار أو حتى كلمة "Action".
 
هي مقدمة تبريرية لخرقي هذا المشهد وذهابي نحو منصة "نتفليكس" الرقمية وانتقاء فيلم بعيد كل البعد عن خياراتي الآنية المفضلة الدراما الاجتماعية الخفيفة وتلك الرومانسية التي يفضلها المراهقون، هذا إن وجد الانترنت في غياب التيار الكهربائي الذي بات يتربّع على عرش البطولة المطلقة في حياة اللبناني اليومية.
 
وقع الخيار على فيلم "Blood Red Sky" أو ما يعرف بـ "Transatlantic 473" حيث تجري حوادثه على متن طائرة وجهتها من ألمانيا إلى نيويورك. وهو لمحبّي أفلام التشويق ومصاصي الدماء وخطف الطائرات. الفيلم ألماني، أفلح في تربّع المرتبة الأولى عالمياً نظراً للحبكة التي انتهى مطافها بطائرة مخطوفة ومصاصي دماء يسفكون دم البشر. حتى الآن، يعتبر الفيلم أنجح محتوى ألماني قدّم على "نتفليكس" حيث شاهده أكثر من 50 مليون مشاهد حول العالم بعد طرحه في 23 تموز الفائت.
 
 
استطاع الفيلم أن يدخل قائمة الأفلام العشرة الأكثر مشاهدة في 93 دولة حول العالم، محققاً المرتبة الأولى في 57 دولة منها الولايات المتحدة الأميركية، المملكة العربية السعودية، البرازيل، والفيليبين، فيما حقق المرتبة الثانية في ألمانيا. وقد صنّف بفيلم عالمي وليس ضمن فئة الأفلام الأجنبية، علماً أن اللغة المحكاة فيه أغلبها باللغة الانكليزية وقليل منها بالألمانية.
 
الفيلم من كتابة بيتر ثوروارث وستيفان هولتز وإخراج ثوروارث وبطولة الممثلة الألمانية بيري بوميستر التي جسدت دور ناديا والطفل كارل أنطون كوتش الذي جسد دور الياس والممثل الألماني من أصل تونسي قيس ستي الذي أدى دور فريد.
 
يُستهلّ الفيلم بغرابته وتشويقه. ينزل الطفل الياس من الطائرة على مرأى جيش مستنفر بكامل عتاده من قناصين إلى طائرات حربية وبرج مراقبة يراقب فيه المسؤول عن العملية أي تحرّك بشري إرهابي داخل الطائرة بعد تيقّنه من وجود أحد الإرهابيين المطلوبين على متنها. الطفل الياس أصبح بـ"أمان" بين أيدي المسؤولين، لكنّه صامت متمسكاً بلعبته، ملامحه لن تفشي ما مرّ عليه، بل ستجذب المشاهد للولوج ببحر عينيه اللتين سترويان في وعيهما الكامل ما حصل منذ لحظة إقلاع الطائرة إلى الثواني الأخيرة لهبوطها، فيما تتجه الأنظار نحو الرجل المصاب فريد الموجود في كابينة الطائرة الذي تمكّن من الهبوط بالطائرة.
 
 
ضبابية اختطاف الطائرة هو المسار الذي تبشّرك به الأحداث المقبلة، وهو مسار سينمائي معتاد يبدأ لدى رواية حوادث خطف الطائرات على يد الجماعات الإرهابية ويسلّط الضوء على قصّة أحد الأبطال الناجين منها، وهو ما يحصل. بعد أخذ الطفل الياس إلى غرفة آمنة، تطرح إحدى المسؤولات عليه سؤالاً مفتوحاً لن يعرف أجوبته سواه أقله في تلك اللحظات العصيبة، وتسأله: "هل تستطيع أن تخبرني ما حصل على متن الطائرة؟ هل كنت تسافر مع والديك؟".
 
ينتقل الفيلم بسرده الوصفي للرحلة المصيرية التي كان يستعد لها الياس مع والدته من ألمانيا إلى نيويورك لإجراء جراحة زرع نقي العظم من أجل الشفاء من مرض عضال ويبدأ جسدها بضخ دم نظيف، بحسب ما يخبر الياس الشاب فريد في المطار فيما كان ينتظر مجيء والدته. لكن في الواقع، والدة الياس على موعد مع الدكتور براون مع أمل كبير لديها بالشفاء ليس من السرطان، وإنما من مرض مصاصي الدماء! يصعد الركاب على طائرة الموت ولكل منهم أطباعه، هي المشهدية نفسها التي اعتدنا رؤيتها في هذه النوعية من الأفلام، تقلع الطائرة وما هي إلا دقائق ويكشف عن المخطط الارهابي المرسوم للرحلة، نعم لقد تم خطف الطائرة وطلب من الركاب الالتزام بالتعليمات. غير أنّ الياس لم يأبه سوى لواقع جديد لم يكن المشاهد ليتقنه إلا بعد دخول الفيلم في عمق أحداثه. هو طفل ناضج تسيطر عليه غريزة الطفولة الناضجة خوفاً على حياة والدته، وما فعله غيّر من أحداث مسلسل الخطف بالكامل.
 
 
لم يلتزم الياس بالتعليمات وهرع من مكانه فلحقته والدته وكان مصيرها رصاصتين في الصدر، طرحت أرضاً على مرأى من الياس الذي أجبر قسراً على فراقها. من هنا تبدأ قصة الفيلم التي ابتعدت أحداثه من حلقة الخطف واتجهت نحو عالم مصاصي الدماء. والدة الياس تعرّضت لحادثة وتسببت بتحولها إلى مصاصة دماء، أملها الوحيد بالتخلص من الدماء الشريرة كان في رحلتها إلى نيويورك، والياس كان ينتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر، فهو عايش والدته مصاصة الدماء بكافة أطباعها. الدماء السائلة من والدة الياس تعيد إليها حواس مصاصي الدماء من جديد، وهنا تبدأ معركتها في التخلص من الارهابيين وإنقاذ طفلها. وما تسلكه الأحداث غير متوقع بعد إقدام أحد الارهابيين على حقن نفسه من دمائها ليتحول بدوره إلى مصاص دماء ويبدأ بنقل العدوى إلى جميع ركاب الطائرة. هي أحداث دموية لن يرغب في مشاهدتها أصحاب النفوس الضعيفة، لكن في خضم المراحل الوحشية التي تسيطر على مسار الأحداث، يلفتك هذا الرابط القوي بين الياس ووالدته، هو رابط مصاصة دماء التي من المفترض أن رائحة الدماء هي من تغذيها وتقودها، إلا أنّ من ينقذها دائماً كانت رائحة الطفولة المتغرزة بين أنيابها. تفعل المستحيل كما الياس يفعل لينقذا بعضهما.
 
 
الفيلم لا يلقي الضوء فقط على مصاصي الدماء واختطاف الطائرة، إنما على الجانب الطيب من الرجل العربي المسلم تحديداً الذي يتعرّض منذ أحداث 11 أيلول لشتى أنواع التمييز العنصري وحصر صورته ضمن الجماعات الاسلامية المتطرفة. فخطة المجموعة التي اختطفت الطائرة كانت تكمن في إلصاق تهمة خطف الطائرة بعدد من الركاب المسلمين.
 
 
هو فيلم يحمل مشاعر عميقة رغم البرومو الرسمي الذي يظلمه بعض الشيء، وقد حاز على إشادة عالمية حتى من النقاد، وإن رأى البعض في أحد المشاهد التي تضطر فيه والدة الياس من قطع يد فريد الذي تعرّض للعض من أحد مصاصي الدماء نوعاً من اللامنطقية. قطع اليد وخسارة كمية كبيرة من الدماء أقله لن يمكنا المصاب من الوقوف بكامل وعيه واكمال ما قام به فريد من متابعة هبوط الطائرة، لكن هذا فيلم وهذه دراما ودوماً هناك ما يوضع في شجرة الابطال الخارقين، وفي الواقع شكل صمود فريد نوعاً من الراحة للمشاهد الذي ضاق ذرعاً بالمشاهد الوحشية التي سادت داخل الغرف الضيقة من الطائرة.