تيودور كورانتزيس قائد الأوركسترا المسكون يُنزل الموسيقى الكلاسيكيّة من برجها العالي!

 
نظرة الإجرام المُخمليّة، وإنخطاف يُمهّد لقطرات العرق التي تنساب بجموح على الجسد النحيف والمُزخرف بالعضلات. اليدان تتهوران في كل الاتجاهات ولا تحملان العصا الاعتياديّة التي تُعطي الأوامر الفنيّة لكل موسيقي وضع روحه في تصرّف هذا المجنون الذي أعاد صوغ ما ترمز إليه الموسيقى الكلاسيكيّة. إقترف في حقّها نزوات إبداعيّة يصفها الناقد المُتحفّظ بالفاضحة. وإبن الـ48 اليوناني – الروسي لا يُعير هؤلاء الذين يريدون للموسيقى الكلاسيكيّة أن تبقى "مُعلّبة"، "سمجة"، باردة، لا يفهمها سوى بعض الذوّاقة الذين غاروا في رواق المعرفة بطريقة مُتغطرسة، أي إهتمام. لا وقت لديه ليضيّعه مع الخائفين من الإنفتاح. رفع ثوب الموسيقى الكلاسيكيّة الباهت بهدوء وسعى إلى معرفة أسرارها. رماها داخل حلبة الأحاسيس، وقسمات وجهه تلتوي مع كل نوتة، وهو يغنّي على المسرح. والموسيقيّون في فرقته المتخصصة في نشر ثقافة الموسيقى الكلاسيكيّة في العالم "musicAeterna" يلبّون أوامره بلا تردد. يتمرّنون لأيام أحياناً وبلا توقف. لا ينامون. ينصاعون لجنونه، هو الذي يصفه البعض بالعبقري والبعض الآخر بالدجّال والنرجسي. ويداه تتهوّران في كل الإتجاهات وهو يقود فرقته الموسيقيّة بلا عصا، وقطرات العرق تتطاير في كل الإتجاهات، والجمهور يصفّق وقوفاً لدقائق طويلة، والمعجبون يدفعون مبالغ باهظة مقابل تذاكر دخول حفلاته. 
 
أهلاً بتيودور كورانتزيس، يحل كالصاعقة في عالم الموسيقى الكلاسيكيّة، ويدخلها إلى كل منزل، ويُلوّن نظرة الصبا عند اليافعين المُتمرّدين بحنايا فيردي وموزار وتشايكوفسكي. عرّاها من تهذيبها، هذه الموسيقى العتيقة. جدّد "هندامها". وتشهد اللمسات التي أدخلها على الموسيقى الكلاسيكيّة حالياً إنتشاراً كبيراً نظراً لبقاء العالم بأسره داخل جدران المنازل، بفعل جائحة كورونا. وقد وجد، إبن أثينا، في روسيا، ملاذه الآمن. وجد في هذه البلاد المحفوفة بالأسرار والتقاليد، الشاعريّة والرومنطيقيّة التي ورثها عن أجداده. يعيش مع فرقته طقوس العائلة. يعرفهم فرداً، فرداً. يفهم إنفعالاتهم في اللحظة. يصبر عليهم، ويتفهّم غضبهم عليه عندما تتحطى جلسات التمارين أحياناً الـ12 ساعة. يزخرف أذنه بأقراط ذهبيّة. ينتعل  الأحذية العالية والجينز الضيّق. سترته مصنوعة من الجلد. تسريحة شعره لا تليق، كما يرى البعض، بقائد أوركسترا جدّي. وهو يبتسم بتهذيب عندما يواجهه البعض بالإمتعاض. وباله مشغول بمؤلّف المقطوعة التي يُعرّي روحها من تهذيبها الظاهري، ويتخيّل المؤلّف معه في المسرح.
 
قسمات وجهه تلتوي عذاباً وشهيّةً مع كل نغمة. والعرق يتطاير من جسده النحيل. يا أهلاً بتيودور كورانتزيس، قائد الأوركسترا المسكون الذي لا وقت لديه ليرتّب كلماته ببرودة الغرباء. يكتب الشعر. يُقيم الأمسيات الشعريّة التي تستمر حتى ساعات الفجر الأولى. يعيش في منزل "وحيد" في إحدى غابات مدينة بيرم الروسيّة الباردة حتى الرعب. يطلب أحياناً من أفراد فرقته أن يعزفوا أكثر المقطوعات تراجيديّةً وقوفاً، ويرى أنه في كل مرّة يقف فيها على خشبة المسرح، يقطع عروقه بحثاً عن لحظات عابرة من الحياة.
 
Hanadi.dairi@annahar.com.lb