الموت في المنازل... تأخير للحصول على العلاج وهواجس نفسية!

شكّلت ظاهرة الموت في المنازل نتيجة الإصابة بكورونا قلقاً وصرخة طبية يجب عدم الاستهانة بها لما تحمله من دلالات اجتماعية ونفسية. أن يقرر المصاب ملازمة منزله وعدم الذهاب إلى المستشفى لتلقي العلاج ليس أمراً سهلاً وليس دائماً قراراً صائباً خصوصاً أنه قد يتهدد حياته. عوامل كثيرة تلعب دورها في هذا القرار منها العامل الاقتصادي والنفسي والاجتماعي، كان يمكن إنقاذ بعض هذه الحالات من الموت، فماذا يقول الطب وعلم النفس حولها؟ وكيف يمكن مساعدة بعض الحالات لتخطي هذا القلق السلبي؟
 
يؤكد رئيس جراحة القلب والصدر في مستشفى المعونات الدكتور نبيل الطويل في حديثه لـ"النهار" أن "عدداً من الأشخاص عاجز عن الذهاب إلى المستشفى أو يتجنب الذهاب، يلعب العامل النفسي كما العامل الاقتصادي دوراً مهماً في سلوكيات المريض. 
نعرف جيداً أن على مريض الكورونا أن يكون معزولاً عن عائلته وأصدقائه خلال فترة الحجر، ويكون وحيداً في مرحلة استشفائه سواء في غرفة عادية أو في العناية الفائقة، الأمر الذي دفع بعض المرضى إلى البقاء في منازلهم وعدم الدخول إلى المستشفى، لأنهم "يريدون الموت إلى جانب عائلتهم وألا يكونوا وحيدين في المستشفى". 
 
هذا الواقع الاجتماعي يؤثر على بعض المرضى الذين يرفضون تلقي العلاج في المستشفى ويُفضلون البقاء في منازلهم لتلقي الرعاية بالرغم من مخاطر ذلك على صحتهم. فالمريض يضطر إلى عزل نفسه عن عائلته ومحيطه، وتُسبب هذه الظاهرة انزعاجاً وأثاراً سلبية في حياة الكثيرين، حتى الطلاب الذين يتعلمون عبر الأونلاين هم معزولون كلياً عن العالم الدراسي ومحيطهم والملاعب والأصدقاء ولها تأثير واضح على نمو حياتهم. 
 
وعن أكثر الأعراض التحذيرية التي يجب على المريض عدم إهمالها، يشدد طويل على أن "نقص الاوكسجين من أهم الأعراض التحذيرية عند مريض كورونا. لذلك اذا انخفضت نسبة الاوكسحين في الدم إلى ما دون 90 ولامست الـ85، على المريض التوجه فوراً إلى المستشفى. علينا ان نتصرف وكأننا أمام حالة إلتهاب رئوي أو انفلونزا حيث ينخفض الاوكسجين إلى 85 ونضطر إلى ادخال المريض إلى المستشفى بسرعة".
 
ويشير طويل إلى أن المعالجة المنزلية لا تكون وحدها كافية عند بعض المرضى، فأحياناً يتعرض المريض إلى جلطات قد تودي أحياناً بحياته. وهذا ما يُفسر ارتفاع عدد وفيات مرضى #كورونا في المنازل لأسباب عديدة منها الطبية نتيجة تعرضه لجلطات، ومنها اجتماعية – نفسية خوفاً من الموت وحيداً، ومنها اقتصادية حيث يجد المريض صعوبة في تغطية التكاليف المتبقية أو الفوارق المادية التي لا تُغطيها الجهات الضامنة في علاجاته من الفيروس.
 
"تقوم وزارة الصحة بما يلزم وفق معرفتها، ولكن برأي الطويل أن "زيادة عدد الأسرّة ليس كافياً فقط في معركتنا مع هذا الوباء، بل يجب تأمين طواقم طبية متخصصة لمواكبة المريض ومتابعته. فما جدوى أن يكون لدينا مثلاً طيارة مجهزة ولكن ليس لدينا طيار ليقودها. وعليه، يجب أن نعترف أننا نعاني من خلل في الطواقم الطبية المتخصصة، وحتى الذين يعملون ليلاً نهاراً منذ ظهور الفيروس يصعب علينا التعويض لهم وزيادة بدل أتعابهم، وقد يتقاضى بدل أتعابهم بعد سنة أو سنتين. 
 
كما أن هجرة الطباء والممرضين نتيجة الظروف الصعبة في لبنان تُنذر بتقافم الأزمة، "نحن قادمون على وضع أسوأ بكثير. لذلك علينا النظر في النقص الموجود في الطواقم الطبية وتدريبهم وفق خدمات عالية الجودة تُحاكي تحديات الفيروس. حتى عالمياً، لم يكن هناك أحد مدرب لمواجهة هكذا وباء، إلا الطواقم التي شهدت وعالجت أعداداً كبيرة جداً وتعلّمت من تجاربها".
 
تتأثر سلوكيات المواطن بشخصيته ونقاط ضعفه وطريقته في التعامل مع الفيروس. يؤثر الخوف في سلوك الفرد، ولكل منهم أسبابه النفسية وهواجسه. فماذا يقول علم النفس عن ظاهرة الموت في المنزال خوفاً من الذهاب إلى المستشفى؟
وفي هذا الصدد، توضح المعالجة النفسية ريما بجاني لـ"النهار" أن "أولاً يجب الحديث عن الوصمة التي رافقت مرضى كورونا، يخجل بعض الناس إعلان إصابتهم بالفيروس. وقد لعبت هذه الوصمة دوراً في سلوك الفرد وكيفية تعامله مع كورونا. تشخيصه بالإصابة وعمره وحالته الصحية (شديدة او متوسطة) من شأنها أن تؤثر على ردة فعله وكيفية تصرفه مع هذه الإصابة. 
إذاً، يُشكّل العمر ونمط حياة الشخص وما عاشه، شخصيته (هل هي شخصية منعزلة – الخوف من الأمراض) عوامل مؤثرة في سلوك المريض المصاب بالكورونا. 
وعليه تؤثر شخصية الإنسان في اتخاذ قراراته وبالتالي تمتنع عن الذهاب إلى المستشفى لتلقي العلاج حتى لو كان هناك خطر الموت. 
 
برأي بجاني، "علينا العودة إلى نمط حياة الفرد، هل كان محاطاً جيداً من عائلته، وهل هو متعلق جداً بهم، هل يخاف الموت... وهذا الشخص يخاف الموت وحيداً وبعيداً عن عائلته وهو بحاجة إلى التواصل مع المحيطين به. ونعرف تماماً أن المصاب بالفيروس يجب أن يكون معزولاً حتى في منزله وعدم الاحتكاك بأفراد عائلته لعدم نقل العدوى لهم، إلا ان هوية المكان تؤثر جداً في سلوك المريض.
 
نشدد دائماً في علم النفس على منطقة الآمان ويعتبر المنزل المكان الأكثر أمانة وراحة حيث نشعر بالأمان. يخاف كثيرون من المستشفى ويُفضلون البقاء في منازلهم لأنهم يشعرون بالأمان. وهنا علينا التعمق أكثر في الحياة النفسية للشخص لمعرفة أسباب هذه القرارات التي أحياناً قد تكون مؤذية له. 
 
أضف إلى ذلك، أن الفيروس بحدّ ذاته يُسبب القلق والخوف من إلتقاط العدوى والحالة الصحية التي قد نكون بها وتداعيات الفيروس على اجسامنا وأمان اللقاح وتأثيراته... أسئلة كثيرة وهواجس يطرحها الشخص ويفكر فيها. وقد لاحظنا زيادة حالات القلق بشكل كبير في عياداتنا بعد انتشار #كورونا. وأكثر ما يقلق الإنسان ويُخيفه هو المجهول، لذلك يبحث عن الأمان حتى لو كان منطقة الأمان تُشكّل خطراً عليه (مثل إصراره على البقاء في المنزل لتلقي العلاج عوّض الذهاب إلى المستشفى).
وتشير بجاني إلى أن شخصية الفرد والفيروس يحددان سلوكه وتعامله مع الإصابة وقراراته. بعض الأشخاص خوفاً من الموت يتخذون قرارات مؤذية وتتهدد حياتهم دون معرفتهم بذلك. على سبيل المثال يرفض مريض السرطان تلقي العلاج خوفاً من مضاعفاته وتداعياته، فهو خائف من الموت ولا يريد أن يتألم ويفضل البقاء في منطقته الآمنة بالنسبة إليه، فيأخذ الحدذ الأدنى من الخيارات كالأدوية خوفاً من العذاب والألم الناتج عن العلاجات والموت.
كذلك الأشخاص الذين لديهم قلق كبير، وبعضهم يخافون من المستشفى بحد ذاته (إلتقاط العدوى في المستشفى أو الإصابة بفيروسات أخرى...) هذه الذهنية تراكمت خلال سنين ونمّت عندهم نوعاً من التفكير السلبي. وما لا شك فيه أن هؤلاء الأشخاص الذين يتجهون نحو حلول قد تكون مؤذية يكون لديهم نوع من السلبية والتشاؤم. لذلك يقرر البقاء في المنزل في مكان يثق فيه ويشعر بالأمان عوض الذهاب إلى المستشفى حيث يعتبر هذا المكان مصدر قلق وخوف وعدم ارتياح.
 
وتميّز بجاني بين القلق الايجابي الذي يفرض علينا توخي الحذر وارتداء الكمامة والحفاظ على المسافة الاجتماعية وعدم مصافحة أحد... والقلق السلبي الذي ترافقه كلمة "ربما" في كل المواضيع. لذلك النصيحة التي يمكن توجيهها لهؤلاء الأشخاص كيفية التعامل مع القلق وأفكارهم والحفاظ على المنطق في تفكيرهم والبحث عن الأفضل لهم صحياً لإتخاذ القرار المناسب. 
وعلى الشخص أن يتذكر دوماً أن هناك حلاً لأي مشكلة، وعلينا البحث عن هذه الحلول. وعند الشخص الذي لديه نزعة تشاؤمية يصعب عليه ايجاد الحل، لذلك من المهم أن يتعامل مع قلقه وخوفه لإيجاد هذا الحل المناسب، لأن القلق قد يؤدي إلى الاكتئاب، ومن المهم التعامل مع هذا القلق السلبي وتحويله إلى قلق ايجابي وبالتالي اتخاذ القرار المناسب". 
 
بات واضحاً اليوم أن شخصية الفرد تؤثر على قراراته وسلوكه تجاه الفيروس، حتى هناك فئة من الناس ما زالت تشكك بالفيروس. لذلك تكمن أهمية النظر إلى شخصية كل واحد وكيف ينظر إلى #كورونا وما الذي توقظه هذه الإصابة أو الخوف من الإصابة لديه من قلق وهواجس. علينا أن نفهم قلقه لينجح في تخطيه بطريقة إيجابية دون أن تؤثر على حياته".