"ثورة" في تقنيات التهوية لتسريع الخروج من الإغلاق

ترجمة نسرين ناضر

تستعدّ أوستراليا لإطلاق "ثورة" في عالم التهوية من شأنها أن تؤدّي إلى الحدّ من الحاجة إلى إصدار أوامر بملازمة المنازل، وأن تساهم في منع انتشار عدوى "كوفيد-19" وفي تعزيز الاقتصاد وزيادة حجمه بمليارات الدولارات من خلال القضاء على الزكام العادي والإنفلونزا.

وفي التفاصيل، ذكرت صحيفة "ذي سيدني مورنينغ هيرالد" أن أستراليا بصدد إصلاح معايير البناء لمنع انتشار فيروس كورونا، وأن أصحاب العمل قد يتعرّضون للملاحقة القانونية إذا تسبّبت أماكن العمل ذات التهوية السيّئة في تفشّي الأمراض. ويشير البعض إلى أن هذه الإصلاحات والتغييرات قد تؤدّي دوراً مهماً بقدر التلقيح في المعركة ضد الفيروس.

وبهذا الصدد، تجري مفاوضات بين حكومات الولايات وأصحاب العمل والنقابات من أجل اعتماد مدوّنة لقواعد الممارسة قابلة للتنفيذ قانونياً بهدف إرغام أصحاب العمل على حماية موظفيهم من انتقال وباء "كوفيد-19" في الجو.

وعلمت صحيفة "ذي صنداي آيج" أيضاً أن الهيئة الفيدرالية، التي تضع قوانين البناء، هي بصدد العمل على صياغة قواعد تفرض تجهيز المباني الجديدة بخصائص للتهوية وتنقية الهواء بما يُقلّل إلى الحدّ الأدنى انتشار مسبّبات الأمراض في الأماكن المغلقة. فالمباني، أيّ المطاعم والمدارس والمنازل والشقق السكنية والمكاتب، لا تزال تُصنَّف بأنها المواقع ذات مستوى الخطر الأعلى لتفشّي الأوبئة؛ ونوعية الهواء في عدد كبير من قاعات التدريس في ولاية فيكتوريا، حيث ظهر العديد من موجات كورونا الأخيرة، هي أسوأ بمعدّل 2.5 مرات من النوعية الموصى بها.

ولكن نادراً ما يأتي السياسيون والمسؤولون الحكوميون على ذكر التهوية، ولا يزال السواد الأعظم من الجمهور غافلاً عن الخطوات البسيطة التي يُمكن اتّباعها للتدقيق في نوعية الهواء وتحسينها بهدف الحؤول دون تفشّي الأوبئة والأمراض.
 
 
 
وقد تفوّقت بلدان عدّة على أستراليا في هذا المجال. فقد أدركت الدول الآسيوية، التي نجحت في كبح تفشّي فيروس كورونا، أهمية التهوية منذ المراحل الأولى للوباء، فيما تعمد دول أوروبية مثل بلجيكا وإيرلندا إلى إقرار قوانين تفرض على الشركات والأعمال تأمين هواء نظيف في بيئة العمل.
وتشمل حزمة التمويل، التي أعلنها الرئيس الأميركي جو بايدن للمدارس بقيمة 130 مليار دولار، مبالغ مخصّصة لتجهيز المدارس بتقنيات التهوية المناسبة. وقد خلصت دراسة أجرتها المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض في أيار الماضي إلى أن التهوية الملائمة أكثر فاعليّة من ارتداء الكمامات في الحدّ من انتشار وباء "كوفيد-19" في المدارس. وأشار مدير معهد بورنيت، البروفسور برندان كراب، إلى أن التهوية هي "الحلقة المفقودة" التي من شأنها تسريع المسار الذي سيقود أستراليا إلى التخلّي عن الإغلاق العام لأنه لن يعود ضرورياً، معتبراً أن "أسلوب التعامل مع انتشار الفيروس جواً هو الإخفاق الأكبر في المقاربة الأوسترالية".

يُشار إلى أن الوكالات الصحية على غرار منظمة الصحة العالمية، والمراكز الأميركية لمكافحة الأمراض، وهيئة السيطرة على الأمراض المعدية في أوستراليا تأخّرت في الإقرار بأن فيروس كورونا ينتقل جواً، ولكن بات هناك الآن إدراك واسع للدور الأساسي الذي يؤدّيه هذا العامل في انتشار الوباء.
 
ففي حالات عدّة، تفشّى الوباء بين الركّاب المحجورين في غرفهم على متن سفن سياحيّة، ما دفع العلماء إلى التحقيق في احتمالات انتقال العدوى عبر الجو. وفي هذا الإطار، أشارت ليديا موراوسكا، وهي باحثة مقيمة في أوستراليا، وأدّت دوراً رائداً على الساحة العالمية في نشر التوعية بشأن انتقال الفيروسات جواً، إلى أن الجائحة استوجبت حدوث "تحوّل جذريّ" مجتمعيّ في سبل مكافحة وباء "كوفيد-19" وغيره من الأمراض التنفّسية. واعتبرت أن التكلفة المترتّبة على تشييد مبانٍ مزوّدة بأنظمة محسَّنة للتهوية تُعوَّض من خلال المنافع الاقتصادية التي يمكن تحقيقها حين يكون المجتمع بصحة أفضل.

وبهذا الصدد، تنظر الحكومة في ولاية فيكتوريا الأوسترالية في تحسين أنظمة التهوية في قطاعَي الرعاية الصحية والتعليم، وقد أنشأت فريقاً خاصاً لهذا الغرض مؤلّفاً من ممثلين عن مختلف الأجهزة الحكومية.
 
من شأن تحسين التهوية أن يخفّض متوسّط عدد الأشخاص الذين تنتقل إليهم العدوى من شخص مصاب، ما يؤدّي بدوره إلى خفض العتبة المطلوبة لتحقيق مناعة القطيع ومستوى التلقيح اللازم للوصول إلى هذه العتبة. وبهذه الطريقة، لا تعود هناك حاجة إلى الإغلاق العام، وفق ما يقول البروفسور كراب.

ومن أجل تحسين معايير التهوية في المباني، يخوض المجلس الأوسترالي لقوانين البناء نقاشات مع الخبراء والمجموعات الصناعية بشأن إدراج مواصفات تتعلّق بالتهوية في قانون البناء. قد تؤدّي هذه التغييرات إلى زيادة تكاليف البناء، ولكن الجهات الفاعلة في هذا القطاع تدرك أنه لا مفرّ من الإصلاح، وقد بدأ البعض طوعاً بتشييد مبانٍ ذات أنظمة تهوية فائقة الجودة.
وفي السياق عينه، يُمكن أن يواجه أصحاب العمل أيضاً تحدّيات قانونية إذا أصيب موظفوهم بالتوعّك في مبانٍ لا تُراعي المعايير المطلوبة لناحية جودة الهواء.

وقد أشار ليام أوبريان، الأمين العام للمجلس الأوسترالي للنقابات العماليّة، إلى أن "الصعوبة تكمن في أن الأشخاص لا يستطيعون رؤية الهواء غير النظيف، ولذلك يصعب عليهم استيعاب الأمر مقارنةً بالأمور الأخرى الأكثر وضوحاً مثل الأسطح القذرة وانتشار الرذاذ بسبب العطس مثلاً". وأضاف أنه من شأن اعتماد أنظمة التهوية المناسبة في مكان العمل أن يساهم في انخفاض أعداد الموظفين الذين يتغيّبون بسبب المرض، وفي زيادة الإنتاجيّة.
 
يقول الخبراء إن عدداً كبيراً من المشكلات الناجمة عن سوء التهوية يمكن معالجتها بسهولة، من خلال تركيب أجهزة لرصد مستويات ثاني أكسيد الكربون، واعتماد حلول منخفضة التكلفة في معظم الأحيان مثل أجهزة تنقية الهواء المحمولة والفائقة الفاعليّة، التي يُمكن إيجادها في متاجر الأدوات المنزليّة.
 
وقد أصدرت جامعة ملبورن دليلاً يتضمّن توجيهات حول شراء أجهزة تنظيف الهواء، التي تُستخدَم في فنادق الحجر وبعض المستشفيات في ولاية فيكتوريا، بعدما كشفت الاختبارات أن الهواء ينتقل من غرف المستشفى إلى الأروقة المكتظّة بالأشخاص.
 
وأشارت البروفسورة بريا راجاغوبالان، مديرة مختبر الابتكار في مجال البناء المستدام لدى جامعة RMIT، إلى أنه يجب فحص مستويات ثاني أكسيد الكربون في قاعات التدريس، وإدراج التهوية ضمن معايير البناء في المدارس.