الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

أيّ تكاليف تنتظر المواطن حين يمرض؟

المصدر: "النهار"
كارين اليان
كارين اليان
مواطن لبنانيّ في المستشفى (أرشيفية- حسن عسل).
مواطن لبنانيّ في المستشفى (أرشيفية- حسن عسل).
A+ A-

يقف المواطن اللبنانيّ مؤخّراً في مواجهة صعبة مع مشاكل وأزمات تتراكم أكثر فأكثر مع مرور الوقت. هموم لا تعدّ ولا تحصى تلقى على كاهله يومياً، فيجد نفسه مع شروق شمس كلّ يوم جديد أمام مشاكل جديدة، لم تكن في الحسبان. إنما يبدو واضحاً أنّ همّ صحّة المواطن من المسائل الحيوية التي لم يكن من المتوقع أن تصل الأمور إلى هذا الحدّ فيها. فبات يخشى أن يمرض حتى لا يضطر إلى زيارة الطبيب، حيث أصبحت معاينته موجعة أحياناً أكثر من المرض نفسه، أو إلى تناول أبسط الادوية التي باتت تكلّفه مبالغ باهظة بشكل يصعب عليه تحمّلها أمام تراجع قدرته الشرائية. فقد يتمكّن من الاقتصاد في مشترياته من المواد الغذائية فيختار، كما تفعل نسبة كبرى من المواطنين اليوم، تلك الأساسية فقط أو الأرخص ثمناً، ويستبعد كافة الكماليات أو المنتجات الأقل أهمية التي اعتاد شراءها، إنما يستحيل عليه أن يقوم بالمثل مع الأدوية والمعاينة الطبية وباقي الأمور التي تتعلّق بصحته. فأي تهديد وخطر يمكن أن يشكّل هذا الارتفاع في الأسعار على صحّة المواطن وحياته؟

 

 

بين همّ المرض وتكاليف العلاج

فيما نقبل اليوم على موسم الإنفلونزا الذي يمكن أن يحتاج فيه الكلّ كباراً وصغاراً إلى أدوية عديدة وإلى زيارة الطبيب، خصوصاً في ما يتعلّق بالأطفال، يشكو المواطنون مما آلت إليه الأمور، وهم يجدون أنفسهم عاجزين عن تأمين أبسط الأدوية الخاصّة بهذا النوع من الأمراض، والتي يصنّفها الأطباء عادةً بشكل روتيني، بسبب ارتفاع كلفتها. فمرض طفل حاليّاً أو أيّ فرد في العائلة قد يكلّف ربّ العائلة ما يقارب المليون ليرة أو أكثر ما بين المعاينة الطبية وبعض الأدوية البسيطة والقليلة التي يمكن أن تتطلبها العائلة.

في زيارة إلى إحدى الصيدليات، بدا واضحاً أن هواجس المواطن على صحّته وصحّة أفراد عائلته في الايام الصعبة هذه مبرّرة. فقد ازدادت أسعار أبسط الأدوية التي كان ثمنها لا يتخطى الـ10 آلاف ليرة بمعدل أضعاف. فإصابة طفل في العائلة أو راشد بمرض بسيط يمكن أن يكلّف ربّ الأسرة مئات الآلاف ما بين المعاينة وأسعار الأدوية. علماً أنّ أسعار الادوية تتبدل في كلّ بداية أسبوع، فترتفع فيما يترفع سعر الصرف في السوق السوداء. أمّا التسعيرة الحالية فعلى أساس 16500 ليرة.

 

أصبح سعر علبة المضادّ الحيويّ الأكثر استخداماً، الـAugmentin الخاصّ بالكبار 128000 ليرة لبنانية. أمّا ذاك الخاص بالأطفال فأصبح سعره 291000 ليرة لبنانية. أمّا علبة الـPanadol  للأطفال فهي بـ40000 ليرة وسعر العلبة الصغيرة للكبار 25000. وكان معظم الناس عادةً يتناولون الفيتامين C على سبيل الوقاية من المرض، لكن بات ذلك أكثر صعوبة اليوم حيث أنّ الصنف الأرخص ثمنه يكلّف 60000 ليرة لبنانية. سعر دواء الـProspan لمعالجة السعال للأطفال، وهو من الأدوية الاكثر استخداماً بلغ 123000 ليرة لبنانية وسعر الـAdvil المسكن للألم لدى الأطفال 72000 ليرة لبنانية. وفيما تعتبر هذه الأدوية كلّها حاجة أساسيّة لأفراد العائلة أطفالاً وكباراً في حال الإصابة بالرشح أو الإنفلونزا بمستوى متقارب من الاسعار، ثمّة ادوية أصبحت أسعارها صادمة أكثر بعد، ومنها مثلاً دواء Omnicef، الذي يصفه الأطباء لحالات التهاب البول لدى الأطفال وقد بلغ ثمنه 430000 ليرة لبنانية.

 

في المعاينة الطبية... تفاوت لافت

في المعاينة الطبية نفسها تفاوت هائل في التكلفة، في مختلف الاختصاصات الطبية. فصحيح أن نسبة كبرى من الأطباء تقدّر واقع الظروف الحالية والوضع الاجتماعي الصعب للمواطنين عامةً، فتتعامل وفق الواجب الإنساني، وتلتزم بالتعرفة الرسمية التي وضعتها نقابة الأطباء في تعميم أصدرته مؤخراً هي 200 ألف ليرة لبنانية. إنّما ثمّة مستشفيات جامعية قد وضعت تسعيرة موحّدة للأطباء في العيادات التي لديها ويمكن أن تراوح بين 400 ألف ليرة و600 ألف. هذا إضافة إلى أطباء يطلبون بدل المعاينة بالدولار ويمكن ان تصل الـ80 دولاراً أحياناً أو أكثر بعد. وهذا ما يشكّل عبئاً إضافياً على المواطن، خصوصاً أنّ التحكّم بالحالة الصحية والمرض ليست مسألة بيده وهو ليس قادراً على تلافي إصابته أو إصابة أفراد عائلته بالمرض.

 

التعرفة الرسمية موجودة ولكن...

بحسب نقيب الأطباء الدكتور شرف ابو شرف، إنّ مهنة الطبّ من المهن الحرّة التي يمكن للطبيب فيها أن يضع التعرفة التي يريد لقاء المعاينة الطبية وهو حرّ في ذلك، وإن كانت النقابة قد حدّدتها بـ200 ألف ليرة لبنانية، وقد التزم بها معظم الأطباء. فيؤكّد أنّ معظم الاطباء يتفهون أوضاع الناس ووقع الأزمة على الكلّ، ويتعاملون بإنسانية وضمير حيّ، أمّا من يتقاضى بالدولار فهم أقلية. كذلك بالنسبة إلى من تتخطّى تكلفة المعاينة الطبية لديهم الـ400 ألف ليرة لبنانية أو 600 ألف فهم أقلية، ومنهم من كانت المستشفيات الجامعية قد حدّدت لهم هذه التعرفة.

 

 

بكلّ بساطة يدعو أبو شرف المواطنين إلى التوجه بشكل خاص إلى الاطباء الذين يراعون الوضع الاجتماعي الصعب، ويتعاملون بإنسانية وهم كثر وذوو كفاءة. فلا علاقة ما بين مستوى الكفاءة وتعرفة المعاينة الطبية، وليس ضروريّاً أن يكون من يتقاضى تعرفة أعلى أكثر كفاءة. وهذا ينطبق على الأطباء من مختلف الاختصاصات.

في الوقت نفسه، يدعو النقيب إلى النظر في الاتجاهين لاعتبار أن وضع الأطباء لا يقل صعوبة وهو من المواطنين. وقد بلغ عدد من غادروا البلد 2500 طبيب، وأصبح هناك حيرة حول ما إذا كان يجب دعوة الطبيب إلى البقاء أو تشجيعه على الرحيل بسبب ما آلت إليه الأمور. فإذا كان الطبيب يتقاضى سابقاً 50 أو 70 دولاراً بدل المعاينة أصبح اليوم أقل من 10 دولارات، وبالتالي فإنّ الوضع صعب بالنسبة إليه أيضاً، كما بالنسبة إلى المواطنين، ولا بدّ من أخذه بعين الاعتبار، لأنّ هجرة الأطباء تهدّد البلاد والقطاع الطبي أكثر فأكثر في حال عدم التدخل بأيّ وسيلة كانت.

من المؤكد أن وقع الازمات المتتالية والوضع الاقتصادي الصعب لا يوفّر أحداً من مختلف القطاعات. لكن عندما يتعلّق الأمر بالقطاع الصحيّ، فلا بدّ من دقّ ناقوس الخطر لاعتبار أنّ البلد كاملاً مهدد إذا كان أصيب القطاع الصحي بالخلل. فبين هجرة الأطبّاء من جهة واستهتار المواطنين بصحّتهم والأمراض التي قد تصيبهم، أليس من المتوقّع أن نشهد تراجعاً مهمّاً على المستوى الصحّي، وارتفاعاً ملحوظاً في معدلات الإصابة بأمراض كان من الممكن السيطرة عليها في لبنان في السنوات الاخيرة؟ أمّا في صحّة الأطفال، فهل يمكن أن يضطرّ ربّ الأسرة مرغماً إلى التهاون عندما يمرض أطفاله لعدم قدرته على تأمين كلفة زيارة الطبيب وعلاجاتهم، مهما كانت بسيطة.

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم