الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

بريطانيا تغّرد خارج هاجس كورونا... هل يمكن تعميم النموذج البريطاني على سائر الدول؟

المصدر: النهار
ليلي جرجس
ليلي جرجس
هل بلغنا بداية نهاية الجائحة ومرحلة التعامل معه بطريقة مختلفة؟
هل بلغنا بداية نهاية الجائحة ومرحلة التعامل معه بطريقة مختلفة؟
A+ A-
فاجأت بريطانيا العالم بإعلانها إلغاء القيود والإجراءات المفروضة في مواجهة فيروس كورونا، وقررت أن تغرّد خارج سرب المهجوسين بـ"كورونا"، وأن تتعامل مع الفيروس بطريقة مغايرة، بعد سنتين من القيود، والإغلاق، وإلزامية تطبيق التدابير الوقائية والتلقيح.
 
بعد سنتين من معركتها ضدّ كورونا، وحملات التطعيم الواسعة، وتوزيع الفحوص السريعة، اتّخذت بريطانيا قراراً بالانتقال من مرحلة الجائحة إلى مرحلة التعايش مع الفيروس، أي مرحلة ما بعد الجائحة. فصحيح أن الفيروس لم يختفِ، ولن يزول، وهو باقٍ وفق ما يؤكّد الخبراء والأطباء، إلا أن التعامل معه سيكون مختلفاً ليُحاكي المنطق العلمي نفسه، الذي نعتمده في التعامل مع فيروس أنفلونزا.
 
ابتداء من 27 كانون الثاني، سترفع أغلب القيود الصحية المفروضة في بريطانيا لمواجهة تفشّي فيروس كورونا، وفق ما أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون منذ يومين. ومن بين الإجراءات المرتقبة، لن يكون وضع الكمامة إلزامياً بموجب القانون، كما أنه لن يوصى رسمياً بالعمل من بعد، ولن يشترط تقديم شهادة صحيّة لدخول المراقص وبعض التجمعّات الكبرى.
 
وشدّد جونسون على أنّه في ظلّ توطّن كوفيد "علينا استبدال القيود الملزمة قانوناً بتوصيات".
 
هذه الخطوة التي تعتبر الأولى من نوعها تستحقّ التوقف عندها، وقراءتها، ومقاربتها مع نماذج أخرى. وفي هذا الإطار، يؤكّد الباحث في علم الفيروسات والأمراض الوبائية الدكتور حسن زراقط لـ"النهار" أنه "قبل بريطانيا، أقدمت السويد والدانمارك على رفع القيود قبل موجة أوميكرون، لكن ظهور هذا المتحور الجديد، وانتشاره بسرعة كبيرة، جعل الدول تسارع مجدّداً إلى فرض تدابير مشدّدة لمواجهة الموجة القاسية".
 
فلكلّ دولة مسارها الوبائيّ وواقعها الخاصّ بها، وبعد أن انحصرت الموجة في بريطانيا، وبعد مراجعة البيانات الصحية، قرّرت أن تخطو خطوة، فتتعامل مع الوباء بصورة مختلفة، بعد أن وجدت في المتحوّر الأخير مؤشراً مطمئناً، بالرغم من قدرته العالية على العدوى والانتشار.
 
 
ويشرح زراقط بأن "الموجة القاسية كانت بمثابة فرصة لمعرفة مدى قدرتنا على التعايش مع أوميكرون، أو حتى مع المتحوّرات المستقبلية، في ظلّ نسبة التلقيح المرتفعة أو المناعة المجتمعية. وهذا ما اختبرته بريطانيا، التي سجّلت أرقاماً مرتفعة في الإصابات، إلا أنه مقارنة بالبيانات السّابقة، كان لافتاً الانخفاض بنسبة 40% في معدّل الاستشفاء والوفيات (خصوصاً عند الملقحين) مقارنة بالمتحورات السابقة. وأظهر النظام الصحي أنه قادر على التعامل مع هذه الحالات بالرغم من الضغط والتبعات الصحيّة للموجات السابقة، في وقت ينتظر نحوُ 12 مليون شخص على لائحة الانتظار للحصول على علاجات لأمراض أخرى".

ومع تدنّي الحالات، تُسجّل بريطانيا ما يقرب من 1600 حالة استشفاء يوميّة. وبالرّغم من أنّ العدد ليس بقليل، فهو لا يتخطّى قدرة المستشفيات على استيعابه.

وعليه، بالنسبة إلى البلد، لقد نجح في تحقيق الهدف المنشود من حملة التلقيح، وهو كسر العلاقة بين أعداد الإصابات الحادّة ونسبة الاستشفاء والوفيات، إذ بلغ عدد الملقّحين بجرعتين 90% للأشخاص، الذين هم فوق الـ12 عاماً، ونسبة 60% بالجرعة الثالثة. كذلك، تأمّنت الفحوص المخبرية السريعة للناس، فبلغت 1.3 مليون فحص من أجل السيطرة على الجائحة، من دون أن ننسى العلاجات التي أصبحت متوافرة، سواء في المستشفى أو في خارجه، وساعدت على التخفيف من مضاعفات المرض".

وبناءً على كلّ هذه المعطيات، وبعد تحقيق المناعة المجتمعيّة وتوفير العلاجات بشكل كبير، وبعد كسر العلاقة بين نسبة الإصابات والوفيات، بات بالإمكان تنفيذ ما وعدنا به بالتحمّل معاً لفترة حتى نحقّق نسبة التلقيح المطلوبة للعودة إلى الحياة الطبيعية.

ويشدّد زراقط على أن "إعلان الحكومة لا يعني القضاء على فيروس كورونا، ولكن هذا يعني أنه أصبح بإمكاننا التكيّف معه، والتعامل معه كما نتعامل مع الأنفلونزا. مع الإشارة إلى أن هذا التشبيه لا يُقلّل من خطر الأنفلونزا، وإنّما يعني أنه فيروس موسميّ، علينا التعايش معه والحدّ بصورة كبيرة من آثاره الصحيّة، والتعامل مع آثاره الاقتصادية والاجتماعية".
 

وهذا الإعلان لرفع القيود فرضَ نقاشاً حادّاً في بريطانيا، وانقساماً بين مؤيّد ومعارض لهذه الخطوة، باعتبارها مبكرة بعض الشيء، خصوصاً أن موجة أوميركون بدأت بالانحسار، ولكنها لم تنتهِ. صحيح أن هذا الإعلان مرتبط بجزء معيّن بقرار سياسي واقتصادي، إلا أن قرار التخلّي عن إلزامية الكمامة وغيرها من الإجراءات بات واقعاً، ويعود خيار تطبيق الإجراءات الوقائية خياراً شخصيّاً وليس قانونيّاً.

ومع ذلك، يؤيّد زراقط رأي بعض الخبراء الذين اعتبروا أنه من المبكر الانتقال من مرحلة الوباء إلى مرحلة التعايش مع الفيروس. نحن نعرف أنه عاجلاً أم أجلاً سندخل في هذه المرحلة، وعلينا أن نخفّف من خطر الوباء الصحيّ حتى بعد الجائحة.

وبرأي زراقط أن "الإجراءات التي قد تُثير الجدل لاحقاً تتمثل بإلغاء الحجر الصحيّ أو العزل عند المصابين، وبالتالي يُصبح المصاب غير ملزم قانونياً بالحجر المنزليّ، والاكتفاء بارتداء الكمامة. في حين تأخذ الولايات المتحدة مثلاً منحى مختلفاً من خلال تعزيز الإجراءات الوقائية أكثر، وتوفير الفحوص السريعة وكمامات N95 لمواطنيها، لا سيما أن هناك بعض الولايات التي لم تنحسر فيها بعد موجة أوميكرون.

وهذا الاختلاف في التعامل مع الفيروس يُشير إلى حقيقة واحدة أن النّموذج المتّبع من بريطانيا قد لا يتوافق مع دولة أخرى. وهذا ما دفع منظمة الصحة العالمية إلى التحذير بالقول "من المبكر الحديث عن انتهاء الجائحة". نحن نعيش في مرحلة انتقالية، بعض الدول قد تنتقل بصورة أسرع من غيرها، وبالتالي على كل دولة أو بلد أن تقيّم وضعها الوبائي من ناحية نسبة التلقيح وقدرة النظام الصحي وقدرته على التكيّف مع الفيروس قبل الانتقال إلى المرحلة الثانية، أي مرحلة ما بعد كورونا، وهي مرحلة موسميّة للتعامل مع الفيروس وانتهاء الجائحة".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم