العودة إلى التعليم المدمج... جدال لم ينتهِ بعد ووزارة التربية تحسمه

للعام الدراسي الثاني توالياً، شغرت المدارس من طلابها بسبب انتشار وباء كورونا. قرارات عديدة سابقة كانت قد اتخذت بالعودة إلى التعليم المدمج، إلا أن الظروف حالت مراراً دون عودة الطلاب إلى مقاعد الدراسة نظراً للارتفاع الكبير الذي شهدناه سابقاً في معدلات الإصابة بكورونا في البلاد والتخوف من إعادة فتح المدارس وانتشار الوباء بمعدلات كبرى عندها.

هذه المرة، وبعد تسجيل انخفاض ملحوظ في معدلات الإصابة بكورونا وفي مقابل استمرار حملة التلقيح لمواجهة الوباء بمزيد من الفاعلية، تعيد المدارس فتح أبوابها بعد انقطاع طويل مع التزامها بالإجراءات الوقائية المطلوبة من تعقيم وتباعد اجتماعي واستخدام الكمامات في الصفوف. إلا أن هذا لم يضع حداً للجدال المستمر والدائم حول هذا الموضوع بين مؤيدين لهذه العودة التي باتت ملحة وبين رافضين لها لأسباب عدة منها التخوّف من الفيروس الذي لا يزال موجوداً.

 

آراء متفاوتة بانتظار عودة الحياة إلى طبيعتها

على الرغم من قرار العودة إلى التعليم المدمج قررت رشا عدم ارسال ابنتها (8 سنوات) إلى المدرسة والاستمرار بالتعليم من بعد لأسباب صحية بحتة. إذ توضح أن طفلتها تعاني حالة حادة من الحساسية ويصعب عليها أن تتحمل الكمامة لساعات طويلة وكانت قد واجهت هذه المشكلة عندما خضعت للامتحانات حضورياً في المدرسة في مرحلة سابقة. ففي مثل حالتها هي تتناول أدوية عدة وعلاجات. من جهة أخرى، تشير نصار إلى أن والدها مصاب بالسرطان وهو مقيم معها في المنزل مما شكل سبباً إصافياً لعدم إرسال ميلّا إلى المدرسة تجنباً لتعرضه لخطر التقاط العدوى، هذا على الرغم من أن طفلتها تتمنى لو تعود إلى المدرسة مع أصدقائها ومعلماتها. لكن تأمل أن يكون ذلك ممكناً مع بداية العام الدراسي المقبل فتكون الحياة قد عادت إلى طبيعتها.

أما رلى ففضلت عدم إرسال أولادها إلى المدرسة والاستمرار بالتعليم أونلاين الذي تعتبره بمستوى جيد في المدرسة أقرب إلى الحضوري. فصحيح أنها تلقت اللقاح، إلا أن زوجها لم يحصل عليه بعد. كما تشير إلى أنها تفضل ألا يتعرض أولادها للخطر في التعليم الحضوري، باستثناء أنهم يتوجهون إلى المدرسة للامتحانات. فبحسب رأيها حتى إذا خرج الأولاد مع أهلهم تبقى هذه مسؤولية الأهل أما أن يُرسَل الأطفال إلى المدارس ويخالطوا هذا العدد الكبير من الأطفال فيحمل المزيد من المخاطر ولا يعود التحكم بالأمور بيد الأهل.

في المقابل، تأمل أن تكون الأمور قد اتضحت وتكثفت حملات التلقيح بمعدل أكبر مع بداية العام الدراسي المقبل، حتى يتمكن الأولاد من العودة إلى مدارسهم وحياتهم الطبيعية.

من جهة أخرى، لم تتردد كارولين في إرسال طفليها إلى المدرسة لاعتبار أن خطر التقاط العدوى موجود في أي مكان وليس محصوراً في المدرسة. فيبقى الأهم اتخاذ كافة الإجراءات الوقائية في أي مكان كان، وهي لا تشك في أن تكون المدرسة حريصة على هذه الإجراءات وعلى سلامة طلابها وهي على ثقة بذلك.

يضاف إلى ذلك أنه لا يمكن الاستمرار بإبقاء الأطفال في المنزل بعد أن فقد حس النام لديهم والالتزام وعدم الجدية في التعليم من بعد بعكس التعليم الحضوري. كما توضح أنها تتوجه يومياً هي وزوجها إلى مكاني العمل بحيث أنهم عرضة ايضاً في أي لحظة لالتقاط العدوى فما من مبرر بالتالي لإباء طفليها في المنزل. هذا وتعتبر بأن التغيب بسبب كورونا قد أصبح حجة للبعض من أطفال وأهل. من هنا أهمية العودة إلى المدارس لأن الاستمرار بهذا الشكل قد يؤدي إلى خسارة الأطفال من نواحٍ عديدة تربوية ونفسية وحتى صحية لجهة صحة العينين أيضاً. لذلك تبقى للمدرسة مكانة في حياة الأطفال لا يمكن الاستغناء عنها.

جيني أيضاً من الأمهات اللواتي حرصن على إرسال أطفالهن إلى المدرسة. فالتعليم من بعد كان إلزامياً في مرحلة من المراحل فيما لا تجد مبرراً للاستمرار بتعليم الأطفال بهذا الشكل اليوم بعد ان طال الوقت.

وتعتبر أن استمرار الأطفال أمام الشاشات وغياب العلاقات الإجتماعية والتواصل مسيء لهم ولصحتهم النفسية إلى حد كبير وكأنهم فقدوا القدرة على التواصل مع الآخرين. والخوف الأكبر لها على صحتهم النفسية التي تأثرت إلى حد كبير. كما تعبر عن ثقتها بالإجراءات الوقائية المتخذة في المدرسة حفاظاً على سلامة الأطفال وحتى يعودوا تدريجاً إلى حياتهم الطبيعية. في الوقت نفسه تشير إلى أنه بشكل عام معظم العائلات تخرج من المنازل وبالتالي الخطر موجود في أي مكان وليس في المدرسة بشكل خاص.

 

وزارة التربية: لا يمكن أن يدفع القطاع التربوي الثمن وعودة الطلاب إلى مدارسهم ضرورية

بعد القرار النهائي الصادر عن وزارة التربية بالعودة الجزئية للطلاب إلى مقاعد الدراسة في ظل إجراءات وقائية صارمة حفاظاً على سلامة الطلاب والأساتذة، تشدد مديرة الإرشاد والتوجيه في وزارة التربية هيلدا خوري في حديثها مع "النهار" على أهمية هذه العودة حفاظاً على قطاع التربوي بعيداً من كافة المشاكل والضغوط التي ترزح البلاد تحتها. فلا يمكن أن يدفع القطاع التربوي ثمن تقصير البعض من النواحي كافة، على حد قولها، ولا تنكر أن الطالب بعينه يواجه اليوم صعوبات في العودة إلى التعليم في المدرسة، بعد انقطاع دام ما يقارب العامين الدراسيين.

وأمام تخوّف بعض الأهالي من عودة أطفالهم إلى المدارس في ظل استمرار انتشار الوباء، ولو بأعداد منخفضة مقارنة بالسابق، تشير خوري إلى أن ثمة شروط عودة آمنة ثلاثة تتقيّد بها الدول عامة، مشيرةً إلى أن المدارس في الدول الباقية لم تقفل أبوابها طوال المرحلة الماضية، كما حصل في لبنان:

أولاً: التقيّد بالإجراءات الوقائية التي وضعت في إطار بروتوكول صحي للوزارة وتتم متابعتها من كثب من خلال زيارات إلى المدارس الرسمية والخاصة. إضافة إلى توافر غرفة عمليات بالتعاون مع الصليب الأحمر وخط ساخن لتلقي الاتصالات لتسجيل حالات في المدارس وفق معايير عالية هي من الفضلى في العالم، على حد قولها. هذا وقد تم تدريب مرشدين صحيين وممرضات في المدارس، ووزعت أدوات الوقاية اللازمة على المدارس الرسمية.

ثانياً: الاعتماد على الفحص السريع، كما يحصل في باقي الدول بهدف السيطرة على انتشار الفيروس في المدارس. وقد تم تأمين فحوص PCR مجانية من منظمة الصحة العالمية بمعدل 80 ألفاً منها للقطاع التربوي بالتعاون مع الترصد الوبائي في وزارة الصحة العامة، فتجرى لأي فرد ثمة شك باحتمال إصابته بالمرض. مع الإشارة إلى أنه يمكن الأساتذة الذين لديهم ظرف صحياً يمنع عودتهم تبرير التغيب بتقرير طبي من دون مشكلة، بعد أن يُدرس من قبل لجنة طبية بالتعاون مع نقابة الأطباء.

ثالثاً: اللقاح، علماً ان المدراس في العالم فتحت أبوابها في مرحلة مبكرة من دون وضع شرط اللقاح. لكن تؤكد خوري على أنه تم تأمينه للراغبين بتلقيه وإن كانت فرصة اختيار نوع اللقاح ليست متاحة، وهي ليست ممكنة أصلاً في دول أخرى لاعتبار أن الدول لا تفسح المجال لمواطنيها لاختيار نوع اللقاح الذين يودون تلقيه وهذا الأمر من مسؤولية وزارة الصحة العامة وليس وزارة التربية.

 

على أثر توافر هذه الشروط الثلاثة لضمان عودة آمنة للطلاب إلى مقاعد الدراسة في إطار التعليم المدمج، لا تجد خوري مبرراً لتأجيل هذه العودة، خصوصاً أنه تربوياً لا تحتمل البلاد إقفال مدراسها، هذا فيما أعيد فتح البلاد بالكامل، فهل تبقى المدارس وحدها مقفلة؟

في المقابل، لا تنكر خوري أن الوضع الاقتصادي قد يكون خلف قسم من الاحتجاجات على العودة إلى المدارس، نظراً للظروف الصعبة التي تمر بها البلاد. إنما في الوقت نفسه، هذا الوضع الاقتصادي قد يستمر لأجل غير محدد ولا يمكن ربط القطاع التربوي به ولا يمكن تحميله هذا الثمن أياً كانت الظروف.

مع الإشارة إلى أن الأساتذة يتلقون أجورهم في كل الحالات وهم لم يحرموا منها وكانت هذه من النقاط الأساسية التي لم يمس بها. أما التعليم عن بعد فعلى الرغم من المحاولات والجهود لم يتمكن من تأمين التعليم بعدالة لكافة طلاب لبنان من هنا أهمية العودة إلى التعليم المدمج.

من جهة أخرى، وعلى الصعيد الصحي، تلفت خوري النظر إلى ان العودة إلى التعليم المدمج في مرحلة سابقة لم يؤد إلى تسجيل ارتفاع في معدل الإصابات وانتشار الوباء نراً للإجراءات الصارمة التي تتخذ في المدارس. كما ان وجود الأطفال في مدارسهم يشكل عنصراً إيجابياً لتعليمهم بالطرق الصحيحة كيفية الوقاية من الفيروس ومتابعة حياتهم بشكل طبيعي.

انطلاقاً من هذا كلّه، تشدد خوري على اهمية الحفاظ على القطاع التربوي بما أن لجنة التدابير الوقائية لفيروس كورونا في مجلس الوزراء سمحت ذلك بعد توافر كافة المقومات التي تتيح العودة الآمنة.

أما بالنسبة إلى الشهادات الرسمية فلا مفر منها بعد التجربة السيئة التي مر بها الطلاب في العام الماضي نتيجة إلغائها. فستتم الشهادات الثانوية بمواد اختيارية حيث تم التخفيف منها. أما امتحانات الشهادات المتوسطة فتتم بالمواد كافة لكن بنصف منهج في المدارس وبإشراف وزارة التربية منعاً للاختلاط بين الطلاب ونظراً لارتفاع أعدادهم. وفي ما يتعلّق بباقي الصفوف تمت العودة إليه فعلاً في المدارس الرسمية. أما بالنسبة إلى المدارس الخاصة، فيتم التنسيق بين إدارات المدارس ولجان الأهل حول طرق العودة على أن تجرى الامتحانات لكافة الصفوف حضورياً.