قصّة فتاة تريد التحوّل جنسيّاً... "جسدي لا يُشبهني، لستُ أنا"
19-10-2021 | 11:30
المصدر: "النهار"
ترفض مناداتها باسمها أو الحديث معها بصفة المؤنّث، لا تريد هذه الكنية وهذه الشخصية، فجسدها وما تشعر به مختلف عن الأنوثة... إنّه ذكوريّ.
لم تصل إلى هذه القناعة بهذه السهولة، كان عليها أو عليه أن يتعايش مع هذا التناقض، لم يكن البحث عن الذات مهمّة بسيطة، أن تعترف بينك وبين نفسك أنّك مختلف لن يكون اعترافاً عاديّاً. أنت
تعيش في مجتمع تحكمه "التابوهات" والأعراف والتقاليد.
تصالح مع نفسه داخليّاً، في حين لم يتجانس الخارج مع مشاعره وقناعاته الشخصية، ينتظر فرصة السفر لتحقيق حلم التحوّل جنسيّاً، وبدء حياة بعيدة عن لبنان. يُشاركنا قصّته بصراحة، يسلّط الضوء على تجربته وصراعه، وصولاً إلى كذبته الكبيرة التي يعيشها اليوم، قبل أن يهرب من "هذا الواقع الذي لا يُشبهه" كما يقول.
يطلب أن تناديه باسمه الذي يريد أن يسمعه، بصيغة المذكّر، نحترم قراره ونبدأ حوارنا معه. يسترجع سنواته الأخيرة، هو الذي يبلغ من العمر اليوم 18 عاماً فقط، يقول لـ"النهار": "كان الكلّ يظنّ أنّني صبيّ، وكنت في داخلي سعيداً، ولم يكن ذلك يشعرني بالانزعاج. كان الأمر يروق لي، وبدأت أشعر بيني وبين نفسي أنني غير مرتاح أو متصالح مع جسدي. كنتُ في سن المراهقة (14-15 عاماً)، ومع
ذلك كنتُ أجد أنّ جسدي لا يُشبه ما أشعر به".
"لم أجد أحداً ألجأ إليه سوى الإنترنت، وقصص المؤثرين الذين شاركوني على صفحاتهم الخاصة، ساعدني ذلك كثيراً حتى أفهم ما يجري معي وما أشعر به. كنتُ أريد أن أرتاح وأنا أكون مرتاحاً مع
جسدي، ووجدتُ أنّ راحتي لن تكون في هذا البلد".
بقي أسعد يبحث عن أجوبة لكلّ هذه الأسئلة والهواجس التي كانت تسيطر على حياته، كيف يعترف بينه وبين نفسه بحقيقته، وبأنّ جسده كامرأة ليس ما هو عليه، وأنّه يريد أن يكون شابّاً. يسترجع لحظة المواجهة مع والديه: "لقد اكتشفوا حقيقتي من خلال تصرّفاتي والأصدقاء الذين أعاشرهم، فواجهوني بالحقيقة ولم أنكر ذلك. لم يتقبّل أهلي الموضوع، وحبسوني في المنزل لمدّة شهرين حتى لا أخرج مع أصدقائي، برأيهم أنّ الابتعاد عن هذا الجوّ سيجعلني أعود لما أنا عليه في نظرهم".
بقي أسعد شهرين في المنزل ولم يتغيّر شيء، بقي أهلي كما يقول: "مصرّين على أنّ الموضوع ليس أكثر من مجرّد صحبة سيئة، وأنّه بإمكاني أن أكون تلك الفتاة التي كبرت أمامهم. لم يكن أمامي حلّاً سوى الكذب عليهم والادّعاء أنّني لم أعد أريد أن أصبح شابّاً، وأنّ الموضوع انتهى بالنسبة إليّ، حتى أتمكّن من استرجاع حرّيتي والخروج من المنزل. وأخبرتهم بأنّني سأستشير معالجاً نفسيّاً، وأنّه لا داعي للقلق".
بالنسبة إلى أسعد "لبنان ليس آمناً، ولن يجد فيه هذه المساحة الآمنة لتحقيق أحلامه. لذلك أعمل اليوم على السفر بعدما فقدت الأمل في وطني، لن أتمكّن من أن أكون ما أريد في بلدي، ولن يكون أمامي سوى السفر لأبحث عن راحتي وسعادتي. كيف يمكن أن أطلب من المجتمع أن يفهمني ويقف الى جانبي، وأهلي لم يفعلوا ذلك. يستحيل تقبّل الأمر، وبالتالي الرحيل سيكون أفضل خيار".
لا يُخفي أسعد صعوبة ما مرّ به "لم يكن سهلاً أن أخبر أصدقائي بحقيقتي، وأن أعترف بيني وبين نفسي بأنّي مختلف. استغرقت سنوات عديدة حتّى أستوعب ما يجري، وكيف يجب التعامل مع مشاعري، وأنّي لست الوحيد الذي يختبر هذا التحوّل الجنسيّ في حياته.
يسعى أسعد للسفر إلى الخارج حتى يتمكّن من إجراء الجراحة، وبدء حياة جديدة بهويّة جديدة وشخصيّة جديدة. في الختام يتوجّه برسالة إلى الناس الذين يشبهونه قائلاً: "أحبّوا أنفسكم واحترموا أجسادكم ومشاعركم، لا تخضعوا لأحكام الناس، ولا تنسوا أن تعيشوا حياتكم لا حياتهم، وعلينا أن نعيشها كما نريد نحن، وليس
كما يريد المجتمع".
ما يعيشه أسعد وغيره من الشباب من انتفاضة على صورتهم الجسديّة والبحث عن إمكانية التحوّل الجنسيّ للتصالح مع الذات، يكون غالباً نتيجة أسباب نفسيّة أكثر مما هي طبّية، هذا ما يؤكّده الاختصاصيّ في الأمراض النسائيّة والتوليد والأستاذ في جامعة القديس يوسف الدكتور جوزف عبود لـ"النهار"، برأيه: "أنّ غالبية المتحوّلين لديهم مشكلة نفسيّة ولا يتقبّلون جنسهم، ويريدون التحوّل جنسيّاً. وعادة كلّ الذين يقصدون العيادة اليوم يكونون قد خضعوا لبروتوكولات العلاج الهرمونيّ، واستشاروا معالجين نفسيين وأطبّاء الغدد الصماء، ويريدون فقط إجراء استئصال للرحم والمبيض عبر المنظار".
وتعتبر جراحة استئصال الرحم والمبيض وسيلة العبور الطبية للحصول على الموافقة في تغيير الهوية وتسجيل جنسه الجديد.
وفق عبود "تبدأ رحلة العلاج مع الشخص من خلال جلسات نفسية مع معالج نفسيّ، وفي حال لم تعطِ أيّ نتيجة، وبقي الشخص مصرّاً على التحوّل الجنسي، ينتقل عندها إلى المرحلة الثانية، وهي إعطاء علاج هرمونيّ لتغيّر جسمه. وفي حال كان سعيداً وراضياً من النتيجة تكون الجراحة الخيار الأخير الذي لا رجوع عنه من خلال
استئصال الأعضاء الداخليّة ( كالرحم والمبيض...)
مستطرداً أنّ "أكثر الجراحات طلباً عند المتحوّلين استئصال الثديين والرحم وزراعة العضو الذكريّ، ولكنّ الجراحة الأخيرة لا تُجرى في لبنان، وهي غير ناجحة كما هي الجراحات الأخرى. وبالتالي غالباً ما يأتي الشخص بعد إجرائه جلسات نفسيّة وطبّية من طبيب الغدد الصماّء قبل إجراء استئصال الرحم والمبيض وغدد الثدي. وغالبية من يحضرون إلى العيادة هم فتيات وشباب يريدون التحوّل جنسياً لأنّهم غير متصالحين مع جنسهم نفسيّاً، ولا وجود لمشكلة طبّية تفرض
هذا التحوّل".
ويؤكّد عبّود أنّه في الماضي "كانت رغبة التحوّل الجنسيّ موجودة، لكن اليوم باتت تنفّذ، وهذا هو الفارق، انتقلنا من الرغبة إلى التنفيذ. أضف إلى أنّ الجراحة اختلفت وشهدت تطوّراً كبيراً حيث أصبحت أكثر سهولة وأقلّ خطراً على الأشخاص".