علاجات الأطفال مرضى السرطان مفقودة... صرخة وجع واستغاثة من الأطباء عبر "النهار"!

 

وكأن معاناة الأطفال في مواجهة مرض السرطان وعلاجاته ليست كافية، ها هم اليوم يقفون مع أهلهم وأطبائهم في مواجهة مع تحدي أكثر خطورة في بلاد عرفت يوماً بـ"مستشفى الشرق" وبلغت فيها نسبة شفاء الأطفال المصابين بالسرطان حوالى 90 في المئة.

لم تعد مواجهة المرض والتغلب عليه التحدي الأهم بعد أن أصبح تأمين العلاجات المفقودة الهم الأكبر للأطباء والأهل، فيما ينتظر الأطفال مصيرهم المرتبط بهذه الأدوية التي يبدو وكأن البعض لا يعي أهميتها، وثمة من يكتفي بتقديم حلول موقتة بأفضل الحالات أو أكثر والبعض يتغاضى عن المشكلة وكأنه لا وجود لها.

جهود مضنية يبذلها الأهل والأطباء لتأمين علاجات الأطفال المصابين بالسرطان، بدلاً من التركيز على مساندة الأطفال لتخطي مرحلة العلاج. أما الجمعيات التي كانت تسعى إلى الوقوف إلى جانب الأهل وتوفير تكاليف علاجات الأطفال، فزادت جهودها أضعافاً لتؤمن العلاجات أولاً، إن وجدت، وأيضاً كلفتها الحالية المرتفعة التي تزيد اليوم صعوبات تأمينها.

ينتظر كل طفل تأمين علاجه المفقود ومصيره معلّق عليه وحياته وفرص شفائه ترتبط بذلك، فيما يبدو وكأن الأمور تذهب أكثر فأكثر نحو المجهول في هذا الملف في ظل استهتار واضح فيه من قبل المسؤولين مع انعدام الحلول السريعة والجذرية. فهل يحتمل علاج طفل مصاب بالسرطان التأجيل وانتظار لقاء من هنا وآخر من هناك؟ وهل يجوز أن يبقى مصير الطفل البريء معلّقاً كما يحصل حالياً وحياته مرتبطة بقرار أو توقيع أو بمصالح وضعها البعض أولوية على حياة المواطنين؟

"ما يحصل اليوم بحق الأطفال المرضى الأبرياء غير مسموح. الأطفال المرضى ينتظرون وهم محرومون من أدويتهم وينطبق ذلك حتى على من لديهم إمكانات مادية لتحمل التكاليف. فالعلاج غير متوافر أصلاً  ولا حتى البدائل له. هل يجوز ذلك؟" تعبر مؤسسة جمعية Chance وطبيبة أمراض الدم والأورام لدى الأطفال الدكتورة رولا فرح عن غضبها مما يحصل اليوم معتبرة أنه يشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان، فيما تتوجه بنداء إلى كافة المعنيين للتدخل لإنقاذ الأطفال المرضى لأن علاجاتهم لا تنتظر ولا يسمح بأن يبقى مصيرهم عالقاً بهذا الشكل.

أصبح اليوم هم الطبيب الأساسي توفير الدواء لا التركيز على علاج الطفل، مع ما يترتب على ذلك من إجهاد له وللأهل الذين يعيشون مرحلة مضنية بانتظار تأمين الدواء لأطفالهم.

تؤكد فرح أن الأطباء يظهرون استعداداً للعمل دون مقابل لمساعدة الأهل والأطفال ومعالجتهم، لكن أصبحت جهودهم تنصب على توفير الأدوية المقطوعة، وهذا ما ليس مقبولاً. علماً أن أدوية السرطان كانت تفقد أحياناً لكن ليس كما يحصل حالياً. وتضاف إلى ذلك التكاليف الباهظة التي يجب تحملها لتوفير ثمنها بالدولار عند تأمينها من خارج لبنان.

حالة رعب يعيشها حالياً الأطباء والأهل والمرضى في ظل انقطاع الأدوية وأمام المصير المجهول لهؤلاء المرضى. فأي حالة يعيشها المريض وأهله إذا كان الدواء اللازم لإنقاذ حياته قد لا يكون متوافراً في الموعد اللازم؟ أما الأدوية البديلة المصنوعة في إيران التي وفرتها الوزارة فقد رفضت فرح اعتمادها ووصفها للأطفال بغياب الدراسات عليها وعدم وجود ما يؤكد أنها آمنة خصوصاً أنها لم تحصل على موافقة الهيئات الصحية الرسمية.

يضاف إلى هذا الوضع المأسوي وصعوبات توفير الأدوية، أن أموال الجمعيات، كما بالنسبة إلى كافة المواطنين محجوزة في المصارف ولا يمكن التصرف بها لتأمين تكاليف العلاجات. في المرحلة الحالية لم توفر الجمعية جهداً لتأمين مخزون الأدوية للأطفال المرضى الذين تتكفل بعلاجاتهم، لكن ثمة حاجة إلى كل الدعم في ظل هذه الظروف الصعبة لتتمكن من الاستمرار في معالجة هؤلاء الأطفال الأبرياء ومساندتهم حتى يتعافوا ويتابعوا حياتهم. وكانت الجمعية قد أطلقت مبادرة Donate medicine بهدف تأمين أدوية يمكن أن يتبرع بها من لم يعد بحاجة إليها وهي متوافرة في منزله فيستفيد منها مرضى آخرون.

من جهته، يصف طبيب الأورام والدم لدى الأطفال ومؤسس جمعية Kids First الدكتور بيتر نون الوضع بالمأسوي مع انقطاع الأدوية الأساسية التي ثمة حاجة إليها لمعالجة الأطفال المصابين بالسرطان وأيضاً الراشدين. "المعاناة اليوم هي معاناة الكل في ظل انقطاع أدوية لا غنى عنها في علاج سرطان الأطفال فيما يعرف الكل أن عدم تلقي المريض علاجه يؤدي حكماً إلى تراجع حالته ونسبة شفائه. في ذلك يبدو وكأننا نتلاعب بالمتفجرات، وكأنها قنبلة موقوتة مهددة بالانفجار في أي لحظة. حياة الأطفال رهن بالعلاج الذي يؤمن له والتأجيل ليس أبداً لمصلحته".

يطلق نون صرخة عبر "النهار" طالباً الدعم نظراً للجهود المضنية التي تبذلها الجمعية والأطباء والأهل لتأمين أدوية الأطفال والتي أصبحت باهظة الكلفة في حال وجدت. وصحيح أنه تتوافر أحياناً البدائل لبعض الأدوية، لكن تغيب الدراسات عليها في كثير من الأحيان. ويضاف إلى ذلك أن هذه البدائل أصلاً لا تنوافر دائماً .

 يتم التواصل مع جمعيات في الخارج وجهات تساند لتوفير الأدوية  لكن العلاجات تؤمن بـ"القطارة" في ظل حالة من الإجهاد النفسي والجسدي للأطباء والأطفال والأهل. حتى اللحظة، يؤكد نون أنه لم يتم وقف علاج أي طفل وكان من الممكن تأمينها بفضل الجهود الكبرى التي تبذل، إلا أن الكلفة أصبحت مرتفعة جداً على الجمعية التي حرصت دوماً على تأمين تكاليف علاجات الأطفال كلّهم.

فثمة تبرعات من الخارج أتت بعد انفجار المرفأ لكنها توقفت لاحقاً وبقيت الجمعية تعتمد على جهودها الخاصة. فعلاجات الأطفال المصابين بالسرطان لا تحتمل التأجيل. "لا يمكننا الاستمرار بهذا الشكل فقد أرهقتنا الجهود المضنية التي نبذلها في التواصل مع كافة الجهات لتأمين كل علاج. علماً أن العلاجات الكيميائية لا تتوافر في الصيدليات العادية بل في المستشفيات وليس سهلاً تأمينها. هذا كلّه بعد المعاناة جراء إنفجار بيروت وكل ما بذلناه من جهود لنعاود النهوض ونعاود استقبال الأطفال المصابين".

 

طوال السنوات الماضية كانت الجمعية تتحمل فارق تكاليف العلاج التي تتكفل بها الجهات الضامنة، فلم يكن الأهل يتحملون أية تكاليف. إنما اليوم أصبحت نسبة الـ20 في المئة التي تتحملها الجمعية عالية وتجد صعوبات كبرى في تأمينها مع ارتفاع أسعار الأدوية واضطرارها إلى تأمينها من الخارج في كثير من الأحيان بالدولار، فيما يصل عدد المرضى الذين تتكفل بعلاجاتهم إلى 160.

تحاول الجمعية اليوم، بحسب نون الاستمرار بتقديم المساعدة قدر الإمكان فيما يحاول الأهل الذين لديهم إمكانات على تأمينها أو تأمين قسم منها إذا ما توافرت في الأشهر الأخيرة. " ثمة حاجة اليوم إلى الدعم المادي أكثر من أي وقت مضى لنستمر بتأمين علاجات الأطفال الأبرياء المرضى. لا نوفر جهداً في ذلك لكن الوضع أرهقنا ونجهل ما إذا كنا سنتمكن من الاستمرار في ظل هذه الأوضاع بغياب الدعم".