إقبال كثيف على الأدوية المهدّئة... وأفكار انتحار عند الأطفال: "الحكي بِخلّص حياة"!


على مدى 11 عاماً حتى عام 2018، سجّل لبنان 1366 حالة انتحار بلاغ وفق قوى الأمن، أي بنسبة 2.4 حالتين لكلّ 100 ألف نسمة. لكن ما شهده لبنان في عاميّ 2020 و2021 كشف أن الوضع يزداد سوءاً. وقد كشفت دراسة أعدّها سبعة أطباء نفسيين لبنانيين، أنّ كلّ يومين ونصف اليوم ينهي شخص حياته، وتعتبر الظروف والأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية الصعبة محفّزاً وعاملاُ من العوامل المؤثّرة للإقدام على الانتحار.
يشهد لبنان في الآونة الأخيرة ارتفاعاً كبيراً في حالات عدم الاستقرار العاطفي واليأس والاكتئاب والقلق والعنف الأسري والعجز... هذه الضغوط أدّت إلى تزايد الإقبال على الأدوية المهدّئة في مرحلة معينة، قبل أن يمتنع الصيادلة عن إعطائها للمواطنين من دون وصفة طبية. وهذا ما يؤكّده نقيب الصيادلة في لبنان غسان الأمين لـ"النهار"، أنّ "شهدت الصيدليات على طلب متزايد على الأدوية المهدئة نتيجة الأزمات المتراكمة التي يعيشها المواطن، لكنّ المشكلة تكمن في قلّة الأدوية في لبنان . لذلك لم تعد الأمور مثل السابق، أضف إلى ذلك أنّ الصيدليات لا تعطي هذه الأدوية من دون وصفة طبية".
مضيفاً أنّ "نسبة الطلب عليها زاد 30% مقارنة مع الماضي، إلّا أنّ عدد المبيعات أقل، نتيجة فقدان هذه الأدوية في السوق. وأكثر الأدوية طلباً هي أدوية المهدّئات، علماً أنّ بعضها رُفع عنه الدعم وأخرى بقيت مدعومة. ولكن اجمالاً زاد الطلب ونؤمّن للمواطن ما هو متوفر حالياً شرط إظهار وصفة طبية".
وكثافة الاتّصالات التي تتلقاها جمعية "Embrace" التي ازدادت بوتيرة كبيرة، دليل على ما يعانيه المواطنون من ضغوط لم تعد محتملة.
وقد أظهرت الدراسات والإحصاءات أنّ "واحداً من كلّ أربعة أشخاص في لبنان معرّض للإصابة بمرض نفسي، ويحتاج إلى علاج في مرحلة من مراحل حياته.
وفي العودة إلى السنوات الماضية، سجّل لبنان 143 حالة انتحار في العام 2017 ، وارتفع إلى 157 في العام 2018 قبل أن نشهد وتيرة أكبر، حيث وصلت حالات
الانتحار إلى 171 في العام 2019 لتنخفض إلى 147 حالة في 2020. أمّا هذه السنة وحتّى هذه الشهر سُجّلت حوالى 64 حالة انتحار.
 
تعترف مشرفة برنامج "خطّ الحياة" في جمعية Embrace ريف رومانوس لـ"النهار" أنّنا "نشهد على كثافة اتصالات في الأشهر الثلاثة الماضية، والتي يبدو واضحاً زيادة في وتيرتها، كما أنّ نوعية المحادثات والهواجس والمشاكل التي تعتري اللبناني أصبحت أكثر دسامة وثقلاً.
تلقّت الجمعية في شهر حزيران 720 اتصالاً ليرتفع العدد بشكل مطّرد في شهر تموز إلى 1052، أما في هذا الشهر فلقد تلقينا خلال 10 أيام بحدود260 اتصالاً. وتشمل هذه الاتصالات مختلف الأصعدة ومنها العاطفي، الاجتماعي - الاقتصادي والمخاوف التي ترافق المواطن نتيجة الأزمات كالبطالة، وعدم القدرة المواطن على تأمين حاجة عائلته وأطفاله، عدم القدرة على إيجاد دواء أو دفع الأقساط.
ولكن كان بارزاً في الفترة الأخيرة تسجيل أفكار انتحارية عند الفئات الصغيرة أي الأولاد في عمر الثماني والتسع سنوات، والتي لم نكن نسمعها سابقاً. ويعود السبب إلى التغييرات الكبيرة التي طرأت على حياة الأطفال كجائحة كورونا والبقاء في المنزل، زيادة العنف الأسري، الإحباط عند الوالدين والمشاكل الاقتصادية التي تزيد من هذه الضغوطات".
ليس هناك عامل واحد وإنّما مجموعة عوامل سياسة واقتصادية وأمنية مؤثرة تزيد من هذه الضغوط المؤدّية إلى الانتحار. وعليه، تشدّد جرمانوس على أنّ "هذه
الضغوط بالإضافة إلى مرض نفسي من شأنه أن يدفع الشخص إلى الانتحار. وكما تشير الدراسات إلى أن 90% من حالات الانتحار مرتبطة بمرض نفسي يمكن معالجته، فمعظم الأشخاص الذين يحاولون أو يقومون بالانتحار يعانون من واحد أو أكثر من الاضطرابات النفسية القابلة للعلاج مثل الاكتئاب، اضطراب ثنائي القطب، الإدمان على الكحول أو المخدرات، والفصام. ولكنّ هذا لا يُغيّب دور العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي تزيد من حدّة الضغوطات. نعرف جيداً أنّ الضغوط المعيشية وعدم القدرة على تأمين لقمة العيش من شأنها أن تؤثّر على الشخص وتجعله يعيش اكتئاباً أو اضطراباً أو قلقاً، لكنّ هذا لا يُلغي أيضاً وجود عوامل الخطر عند الشخص وميوله الانتحاري التي تظهر واضحة عند مواجهته لظروف صعبة."
 
وفي ظلّ عدم صدور الأرقام والإحصاءات السنوية لحالات الانتحار في لبنان، إلّا أنّ جرمانوس تؤكد أنّ الاتصالات أصبحت 3 أضعاف عمّا كانت عليه سابقاً، وباتت الرسائل والأحاديث تدور في فلك بعض الأفكار والعبارات Passive مثل "يا ريت بنام وما بقوم"، "يا ريت بمرض وبموت"، "يا ريت الله بياخدني وبرتاح"... ونتيجة الظروف الصعبة التي تمرّ بها البلاد، كانت المرة الأولى التي يتوقف خطّ الحياة لساعات بسبب فقدان مادّة المازوت، الأمر الذي ترك أثراً كبيراً في فريق العمل وعند المواطنين".
وعن كيفيّة مساعدة الشخص للوقاية من الانتحار، لا تُخفي مشرفة " خطّ الحياة" أنّ هناك وسائل عديدة يمكن اللجوء إليها لتقديم المساعدة، وتبدأ أولاً :
* بطرح السؤال بشكل مباشر على الأشخاص "هل تفكّر في الانتحار؟" ، فإنّ ذلك لن يزيد من الأفكار الانتحارية أو يُشجّع عليها، بل على العكس سيشعر الشخص بأنّ الآخر يشعر به ويفهمه ولا يحكم عليه.
* الإصغاء إليه وعدم الحكم عليه وتقديم المساعدة له. تجنّب قول بعض التعابير مثل" ما بقى تفكّر هيك، او شيل هودي الأفكار من رأسك". لأنّه لو كان باستطاعته فعل ذلك لما كان يعاني ويتحدّث عما يعتريه من حزن أو قلق أو اكتئاب أو احباط...
* تشجيعه على الحديث والاتّصال على رقم الحياة ، "لأنّ الحكي بخلّص حياة".
* التخلّص من الطاقة السلبية من خلال القيام بشيء يحبّه مثل الرسم أو الكتابة أو القيام بأنشطة معينة.
* طلب المساعدة من اختصاصيين وأطباء نفسيين.
* خلق روتين يوميّ ما يساعده على تنظيم حياته واستعادة الطاقة والأمل.
* الحديث مع أشخاص يثق بهم ولا يحكمون عليه.
* الانتماء إلى مجموعة أو جمعية لأنّ شعور الانتماء يساعد الشخص على الوقاية من الانتحار.