أطباء يغادرون البلاد بالجملة بسبب الأزمة... نداء للتدخل قبل فوات الأوان
تستمر تداعيات الأزمة الاقتصادية الخانقة التي ترخي بثقلها على مختلف القطاعات في لبنان. اليوم يبدو النظام الصحي مهدداً ويبدو لبنان في مواجهة خطر جديد يهدده فيما يبدأ بخسارة إحدى ثرواته التي طالما تغنّينا بها. عوامل كثيرة دفعت الأطباء إلى مغادرة البلاد بعدما حاول كثيرون منهم الصمود والاستمرار بتقديم خبراتهم لوطنهم. أما اليوم فعندما أقفلت الابواب في وجوههم، يطلق نقيب الأطباء الدكتور شرف أبو شرف نداء ينذر فيه المعنيين والمجتمع بمغادرة عشرات الأطباء اللبنانيين ممن هم من الأكثر كفاءة في البلاد بهدف تأمين سبل العيش لهم ولعائلاتهم، مما يهدد النظام الصحي كاملاً.
أية ضغوط تدفع اليوم الأطباء إلى البحث عن فرص في أماكن أخرى؟
يبدو الأطباء في المستشفيات التي تضررت في بيروت نتيجة إنفجار المرفأ الأكثر تأثراً في هذه المرحلة. فأتى الانفجار اشبه بضربة قاضية بعد أن لعبت عوامل عديدة دوراً في الوصول إلى هذه المرحلة بحسب أبو شرف. وهؤلاء الأطباء هم على مستوى عالٍ من الكفاءة ويعملون في مستشفيات جامعية وجدوا أنفسهم من دون عمل بعدما تضررت المستشفيات في بيروت بشكل كامل. هذا ولديهم التزامات عديدة لهم ولأولادهم في داخل البلاد أو خارجها ولا يمكنهم الاستمرار في مثل هذه الظروف. فالوضع تفاقم في الفترة الأخيرة بشكل غير مسبوق ما زاد الأعباء عليهم.
انطلاقاً من ذلك، يؤكد أبو شرف أن حوالى 150 طبيباً تقدم بطلب إلى النقابة لأوراقه بهدف المغادرة والعودة إلى البلاد لمقتضيات الدراسة التخصصية، أو بلاد أخرى تقدم لهم عروضاً فيها وهذا ما يشكل كارثة حقيقية للبنان وللنظام الصحي فيه. كثر منهم خسروا عياداتهم ومنازلهم والمستشفى الذين يعملون فيه. خسروا جنى العمر فيجدون صعوبة في الاستمرار بالعودة إلى نقطة الصفر.
كما لا يخفي أبو شرف أن مشاكل عدة لعبت دوراً في الوصول إلى هذا الوضع المتأزم. فقد واجه الأطباء تحديات عديدة مع الوضع الإقتصادي وعدم الالتزام بدفع مستحقاتهم أو التأخير فيها، إضافة إلى تراجع قيمة مستحقاتهم في مقابل غلاء المعيشة وحجز أموالهم في المصارف. وأتى وباء كورونا ليزيد الوضع سوءاً بتراجع معدل العمل في المجال الطبي. كما أن الأذى الذي يتعرض له الأطباء في لبنان مؤخراً غير مقبول، بحسب أبو شرف سواء من الناحية الجسدية حيث تعرض البعض إلى اعتداءات جسدية أو على الصعيد المعنوي من خلال التشهير غير المبرر في كثير من الأحيان. فقد أثبت في قضايا عديدة أن الأطباء تعرضوا للتشهير فيما لم يكن هناك لهم ذنب. فثمة اختصاصيين في اللجنة الموكلة في التحقيق في النقابة، يؤكدون أنه من أصل 150 شكوى تم التقدم بها ضد الأطباء 30 في المئة فقط هي مبررة أما الباقي فغير مبرر وفي كثير منها حصلت مضاعفات لا شأن للطبيب بها ولا مسؤولية تقع عليه. انطلاقاً من ذلك، يؤكد أبو شرف أن النقابة تعمل جدياً على تأمين الحصانة للطبيب والمتابعة القانونية لحمايته. فلم يعد مقبولاً الاعتداء الجسدي ولا المعنوي على الطبيب وتقدمت النقابة بمشروعي قوانين لحصانة الطبيب وتغريم كل معتدٍ عليه بعدما ثبت أن لا ملاحقة لأي معتدٍ على طبيب.
من جهة أخرى، يطلب أبو شرف من الدول أن تتحمل مسؤولياتها وتحافظ على الجسم الطبي من أطباء وممرضين لأن البلاد مهددة بخسارتهم فتكون هذه كارثة إضافية تحل على لبنان ولا يمكن انتظار وقوعها حتى يتم التدخل للتصدي لها. كما تحرص النقابة على التواصل مع الجهات التي تقدم مساعدات ويعبّر عن امتنانه لها، فيما يشير إلى أن ثمة حاجة إلى مساعدات مالية ترسل إلى الجهات المعنية مباشرةً للنهوض بهذا القطاع المهدد بالانهيار. فبغياب الثقة بالدول تأتي معظم المساعدات بشكل مستلزمات طبية وغيرها لا كمساعدات مالية. أما أتعاب الأطباء فيطالب بفصلها عن المستشفى واللجان الطبية حفاظاً على حقوقهم. كما يدعو إلى حوار موسع مع كافة الجهات المعنية للتدخل وحماية القطاع من كارثة متوقعة.