الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

"قيصر اللقاح" في البيت الأبيض... الطبيب اللبناني بشارة شقير: الجرعات المعزّزة قد تكون مفيدة في مواجهة "أوميكرون"

المصدر: "النهار"
الطبيب اللبناني الأصل بشارة شقير.
الطبيب اللبناني الأصل بشارة شقير.
A+ A-
منذ أيام، انتهت مهام الطبيب اللبناني الأصل بشارة شقير كمنسق في البيت الأبيض عيّنه الرئيس جو بايدن لعمليات تلقيح الأميركيين ضد وباء كورونا. بكل فخر، أعلن شقير، الملقّب بـ"قيصر اللقاح"، امتنانه عن كونه مساهماً من ضمن فريق كبير أشرف على إعطاء أكثر من 470 مليون جرعة من اللقاحات حتى الآن في الولايات المتحدة.

يملك شقير مخزوناً كبيراً من التجربة في مقارعة الفيروس، وقد حاورناه بعد انتهاء مهامه رسمياً في أكثر الدول تخطيطاً على صعيد النظام الصحي، وذلك لعرض خلاصة العبر العلمية المستقاة من الحرب ضد الفيروس وسلالاته المتحورة وسبل مواجهتها، واستراتيجيات التلقيح الناجحة لتأمين المناعة المجتمعية.

وفق بيانات مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة الأميركية، فان 71.5 في المئة من البالغين و60 في المئة من إجمالي السكان، تلقوا اللقاح بالكامل. وفي أرقام أكثر دقة تمّ إعطاء حوالى 471 مليون جرعة وتلقى حوالى 200 مليون شخص الجرعتين. في المقابل هناك مناطق ومقاطعات في الجنوب والوسط الغربي شهدت على نسبة تطعيم منخفضة. وفي السياق، سألنا الدكتور شقير عن كيفية سدّ هذه الفجوة بين التحصين وغياب المناعة لدولة واحدة.

وفي رأيه، أنه جرى تحقيق "تقدم كبير جداً على مستوى التلقيح في الولايات المتحدة. في بداية الحملة، كانت نسبة 35 في المئة من البالغين تقريباً متحمسة للحصول على اللقاح. أما اليوم فأكثر من 82 في المئة من البالغين حصلوا على جرعة واحدة على الأقل". ويقول: "أشعر بفخر شديد لأن عدد الجرعات التي أُعطيَت من اللقاحات فاق 470 مليون جرعة. في الوقت نفسه، لا يزال هناك عدد كبير من الأشخاص الذين لم يتلقوا اللقاح في الولايات المتحدة، ومنهم نحو 45 مليون شخص من البالغين. وعلينا أن نواصل مضاعفة الجهود لتلقيحهم. ويعمل الرئيس بايدن على وضع استراتيجيات تتمحور حول فرض مقتضيات وتدابير لدفع غير الملقحين إلى الحصول على اللقاح بما يغطي أكثر من مئة مليون شخص. وقد بدأت النتائج بالظهور. ففي كل يوم، يحصل نحو 300 ألف شخص على الجرعة الأولى، ويعود ذلك بصورة أساسية إلى المقتضيات والتدابير التي يجري اعتمادها في هذا الصدد".
 


*أظهرت الدراسات والبيانات العلمية تراجعاً في نسبة الحماية المكتسبة للقاحات بعد مرور أكثر من 8 أشهر وأحياناً أقل عند الأشخاص الذين يعانون مشاكل في المناعة أو كبار السن، فهل نحن أمام حالة تحديث دائمة لأجيال جديدة من لقاحات كورونا لتأمين الحماية المستدامة؟

يجيب شقير: "لقد ثبت أن اللقاحات الثلاثة التي نستخدمها في الولايات المتحدة هي على درجة كبيرة من الأمان والفعالية. وهذه اللقاحات فعالة بوجهٍ خاص في منع الإصابة بالعوارض الشديدة للمرض، وبالتالي الحؤول دون دخول المستشفى والوفاة. ولكن ليس هناك من لقاح فعال بنسبة مئة في المئة. ومع مرور الوقت، نشهد على تراجع المناعة التي تؤمّنها اللقاحات. ولهذا أطلقنا الآن برنامج الجرعة المعززة لجميع البالغين في الولايات المتحدة (بعد 6 أشهر من الحصول على الجرعة الثانية من لقاحَي "موديرنا" و"فايزر"، وشهرَين من الحصول على جرعة لقاح "جونسون أند جونسون"). وتساهم الجرعة المعززة إلى حد كبير في تفعيل الحماية التي يؤمّنها اللقاح، وهذا مفيد جداً في مواجهة متحور "دلتا" الذي ينتشر حالياً. وأتوقع أن تكون الجرعات المعززة مفيدة أيضاً في مواجهة متحوّر "أوميكرون" علماً بأنه علينا انتظار نتائج الدراسات للتيقّن من الأمر بنسبة مئة في المئة".

*هل يمكن أن تصبح لقاحات كورونا شبيهة بلقاحات الإنفلونزا التي يتوجب تطويرها وتحديثها موسمياً؟

في رأي شقير، "لا يمكن الإجابة بيقين عن هذا السؤال الآن، فهو سابقٌ لأوانه. علينا أن نتذكّر أنه فيروس جديد، ونتعلم يومياً أشياء جديدة عنه. حين يتوافر لنا مزيد من البيانات، ستتمكن إدارة الأغذية والأدوية الأميركية (FDA) ومراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) من إصدار التوصيات الملائمة في الولايات المتحدة".

* شكّل متحور "أوميكرون" تحديّاً جديداً بعد سنتين من الأبحاث وإغلاق الحدود وفرض القيود المشددة، ما أدى إلى إرهاق القطاع الصحي وخسارة كبيرة للقطاع الاقتصادي. فمتى يمكن أن نشهد على اضمحلال الفيروس واختفائه، وهل سنعود إلى الحياة الطبيعية أم أن الحياة ما قبل كورونا غير ما بعدها؟

هنا يرى شقير أن "ما نعرفه على نحوٍ مؤكّد هو أن مسار الجائحة لم يكن متوقعاً على الإطلاق. ولا يستطيع أحد أن يجزم بشأن الطريقة التي ستنتهي بها. علينا أن نستمر في القيام بالإجراءات التي نعلم أنها تنجح في مواجهة الجائحة. ويبدأ ذلك بالعمل من أجل حصول أكبر عدد ممكن من الأشخاص في العالم على اللقاح. فكلما ازدادت أعداد الملقّحين، تراجعت قدرة الفيروس على الانتشار والتحوّر. إنها خطوة مهمة من أجل السيطرة على الجائحة. وإضافةً إلى التلقيح، يجب أن نستمر في استخدام جميع الأدوات والوسائل المتاحة لنا، أي الفحوصات، والعلاجات المضادة للفيروس، والأجسام المضادة الأحادية النسيلة، مع المواظبة على التقيد بالإجراءات الوقائية".

*لكن هل نكون أمام احتكار للقاح من جانب الدول الغنية على حساب الدول الفقيرة؟ وهل ستصبح الجرعة المعززة إلزامية عند كل الفئات أم يجب حصرها ببعض الفئات مثل مرضى السرطان ونقص المناعة وكبار السن والعاملين في القطاع الصحي؟

يقول شقير "إنها جائحة عالمية والفيروس لا يعرف حدوداً. وكي نتمكن من القضاء على الجائحة، يجب أن تتعاضد الأسرة الدولية في مواجهتها. لهذا أفتخر كثيراً بالعمل الذي تقوم به إدارة بايدن-هاريس على مستوى عالمي. فقد تبرعت الولايات المتحدة، حتى الآن، بأكثر من 300 مليون جرعة من اللقاحات، وهذا الرقم يتخطى كل ما وهبته البلدان الأخرى مجتمعة. لقد تعهّد الرئيس بايدن بالتبرع بما مجموعه 1.1 مليار جرعة. وفي الوقت نفسه، يجب علينا تفعيل الحماية التي تؤمّنها اللقاحات من خلال تقديم جرعات معززة. علينا أن نقوم بالأمرَين معاً: تلقيح جميع البالغين بجرعات معززة، ودعم الجهود العالمية لإيصال اللقاح إلى الجميع حول العالم".

*نسأل شقير: هل تكون اللقاحات دائماً الحلّ في مواجهة الجائحة؟ ماذا عن علاجات كورونا التي أثبت بعضها نتائج مبشرة جداً وآخرها عقار "ميرك"، فهل تساهم في تخفيض نسبة الاستشفاء وتقليل نسبة الوفيات بدرجة كبيرة؟ وهل يمكن أن يكون العلاج الأقوى والمنتظر بدل اللقاحات؟ وما الذي يختلف بين اللقاحات والعلاجات في مواجهة كورونا؟

يجيب: "لا شك في أن اللقاحات تبقى الأداة الأهم التي نمتلكها للحؤول دون الإصابة بالفيروس. وعلينا أن نستمر في بذل الجهود لزيادة أعداد الملقّحين حول العالم. وفي الوقت نفسه، العلاجات الجديدة المضادة للفيروس التي طوّرتها شركتا "ميرك" و"فايزر" واعدة إلى حد كبير. أترقّب القرار الذي سيصدر عن إدارة الأغذية والأدوية الأميركية بشأن العقارَين اللذين قد يشكّلان أداة إضافية في معركتنا مع الجائحة".

* حذرت منظمة الصحة العالمية من وباء أكثر شدة من فيروس كورونا، هل نحن مقبلون على جائحة أخرى؟ وهل استخلص العالم عبراً ودروساً من هذه الجائحة؟ وما الذي يحتاجه العالم لمواجهة الجائحة الجديدة؟

شقير: "لا أريد الخوض في توقعات عن الجائحة المقبلة، لكنني أؤكّد لكم أن المجتمع الدولي تعلّم دروساً كثيرة من إدارته لهذه الجائحة. يجب أن يكون أداؤنا أفضل بكثير في الاستعداد للأوبئة المستقبلية. وعلينا توظيف استثمارات كبيرة في البنية التحتية للصحة العامة في الولايات المتحدة وفي مختلف أنحاء العالم، من خلال الاستثمار في القوة العاملة في قطاع الصحة العامة، وفي نظم البيانات، وتطوير اللقاحات، والعلاجات، والفحوصات، وسواها الكثير. حان الوقت كي يدرك العالم أن أنظمة الصحة العامة تعاني من نقص شديد في التمويل".

* برأيك الجائحة المقبلة هي فيروسية أو جائحة من نوع آخر مثل مقاومة المضادات الحيوية؟ وأيهما الأخطر برأيك؟

شقير: "اسمحوا لي بعدم الإجابة عن هذا السؤال. يصعب حقاً التكهّن في هذه المرحلة، لكن لا شك في أن مقاومة المضادات الحيوية تشكّل مصدر قلق كبيراً".

ختاماً، وربطاً بتعلق شقير بجذوره لبنانية، توجّه برسالة إلى اللبنانيين لا سيما في خضم الانهيار الذي يصيب القطاع الصحي. فقال: "أتعاطف مع الشعب اللبناني الذي يمرّ بمحنةٍ كبيرة. تنهال الأمور عليهم من دون الحصول على فرصة أو متنفس. أنا فخور جداً بالأعداد الكبيرة من اللبنانيين الذين يناضلون يومياً كي يكون لبنان مكاناً أفضل".
 
سيرة ذاتية

شقير مولود في لبنان حيث عاش خلال الحرب الأهلية. درس الطب في الجامعة الأميركية في بيروت. وصل الى الولايات المتحدة عام 1997 للتدرب في كلية بايلور للطب في هيوستن. وفي كتاب نشر العام الماضي، قال إنه صدم بالفروقات الصحية التي صادفها في ما تصور أنه "بلد الرخاء العالمي".

وروى في الكتاب كيف عانى بعض مرضاه في هيوستن وشيكاغو من فقر مدقع وغياب مصدر منتظم للرعاية الصحية، على غرار مرضاه من القرى النائية في لبنان.

عمل شقير في عيادات في إيلينوي ثم أدارها، وعين مفوضاً صحياً في شيكاغو عام 2009. وشغل هذا المنصب لمدة خمس سنوات، وبدءاً من عام 2011، عمل مع رام إيمانويل الذي كان رئيساً لموظفي الرئيس باراك أوباما.

في شيكاغو، اشتهر شقير بحل المشاكل لا مجرد تشخيصها أو تحديد الأهداف. رأس برامجاً للحصول على معلومات حول التسمم الغذائي من التدوينات على تويتر، ولا يزال تطبيقه لمساعدة السكان في تحديد مواقع لقاح الأنفلونزا التي طورها.

غادر شقير شيكاغو عام 2014 للعمل في "ترينيتي هلث" في ميشيغن، وهو أحد أكبر أنظمة المستشفيات في البلاد، ثم تولى وظيفة عليا في "كيسر برماننت"، وكان أخيراً كبير مسؤولي الصحة في كيسر، النظام المترامي من المستشفيات والعيادات التي تخدم أكثر من 12 مليون عضو.

وهذا الصيف كان رئيساً مشاركاً لفريق عمل اختبار فيروس كورونا في كاليفورنيا.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم