الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

ارتفاع معدلات الهجرة من لبنان... كيف نسهّل نفسياً وطأة الغربة؟

المصدر: النهار
كارين اليان
كارين اليان
الهجرة من لبنان
الهجرة من لبنان
A+ A-

هجرة غير مسبوقة يشهدها لبنان اليوم، نتيجة الأزمات المتتالية اقتصادياً وسياسياً... وفي زمنٍ لم يعد المواطنون قادرين على تحمّل تكاليف الحياة الباهظة، التي تعجز الرواتب المتآكلة عن مواجهتها في السوق؛ ولذلك يبحثون عن مكان آخر، حيث يجدون الأمان، وتتأمّن فيه أدنى مقوّمات العيش وأبسط الحقوق الإنسانيّة.

ويقف اللبنانيّون اليوم بين خيارين؛ أولّهما الهجرة المُرّة للّذين يُجبرون عليها أو يختارونها، وثانيهما أكثر مرارة هو البقاء في كثير من الأحيان. لكنهم يختارون هذا السبيل وإن بدا صعباً، خصوصاً في بدايته. فالتأسيس لحياة جديدة في مكان جديد مختلف بعاداته وتقاليده وثقافته ليس سهلاً على الأطفال، ولا على الراشدين، فكيف لهذه النقلة أن تصبح أكثر سهولة على أفراد العائلة كافّة؟

 

ما الأثر النفسي للانتقال إلى مكان جديد في حال الهجرة؟

ثمّة مشاعر عامّة يعيشها كلّ من ينتقل بالهجرة إلى بلد آخر، خصوصاً إذا كانت الهجرة دائمة، وفق ما توضحه الاختصاصية في المعالجة النفسية جيزال نادر. فالتغيير الكبير الذي يواجهه الراشدون أو الأطفال يطاول مختلف نواحي الحياة المهنية والاجتماعية والثقافية والتربوية والمناخية، وحتى الدينية أحياناً.

يفقد المهاجر حال مغادرته موطنه الأصدقاء والعائلة، وهم يشكّلون له شبكة أمان نفسي واجتماعي؛ وهنا يحصل تغيير جذريّ ينتج عنه قلق وخوف من المجهول. وبقدر ما يزداد الاختلاف بين الوطن والبلد الذي يهاجر إليه الأفراد، يكبر القلق. كما أنّ درجة الخوف والقلق والحزن تختلف بحسب الشخصية، فثمة أشخاص يتميّزون بالقدرة على التأقلم مع التغيير، ويحبّونه، حتى في سعيهم وراء المغامرات. فيشعرون بحماسة أمام التغيير. في المقابل، يتعلّق آخرون بمعدّل أكبر بروتين الحياة والنظام المتّبع في حياتهم، فيكون التغيير أكثر صعوبة لهم.

من جهة أخرى، تشير نادر إلى العمر ودوره في تسهيل الهجرة أو جعلها أشدّ صعوبة. فالأطفال يتميّزون بمرونة أكبر على التعلّم والتأقلم مع الظروف الجديدة وعلى تقبّل التغيير، لكونهم في مرحلة النموّ الفكريّ ويتمتّعون بقدرات عالية، خصوصاً في تعلّم اللغات.

انطلاقاً من ذلك، يكون الأطفال حكماً أكثر قدرة على تقبّل التغيير. لكن على المستوى العاطفي، يمكن أن تكون الأمور أكثر صعوبة لهم، خصوصاً إذا كانوا أكثر تعلّقاً بالأجداد مثلاً أو بغيرهم من الأشخاص الذين يعنون لهم الكثير في الوطن. فيُعرف عن الأطفال أنهم أكثر ميلاً إلى العاطفة لا إلى استخدام العقل.

أما الأهل، فالأمور لديهم أيضاً صعبة وليست سهلة كما قد يتوهّم البعض، وفق تأكيد نادر. فهم قد أسّسوا لحياتهم في لبنان على الصُعُد كافّة، وثمة تعلّق بكلّ ما مرّوا به من تجارب فيه. ومن الصعب عليهم أن يبدأوا من الصفر في بلد آخر مختلف تماماً، إلّا إذا كانوا قد أعدّوا لانتقالهم وهجرتهم مسبقاً من كلّ النواحي، ولهم علاقات في البلد الآخر ما يسهّل عليهم هذه النقلة.

وتشير نادر أيضاً إلى أنّ الأمور تكون أسهل لدى الشباب، لاعتبارهم في مرحلة عمرية يحبّون فيها أن يبتعدوا عن أهلهم وأن يتمتّعوا بالاستقلالية، وأن يختبروا الحياة ويتخذوا القرارات بأنفسهم. لذلك، هم يشعرون بمزيد من الاندفاع لفكرة السفر وإقامة تجارب جديدة في مكان آخر.

كما أنّ طموحهم ورغبتهم في الدراسة أو العمل في هذا المكان يشكلان حافزاً لهم أيضاً لتكون الأمور أكثر سهولة أيضاً. لكن في كل الحالات، هذا لا يلغي تلك المشاعر السلبية، التي يشعر بها الأفراد عند الانتقال إلى بلد جديد.

فكثر يعانون قلقاً وخوفاً وأحلاماً مزعجة ليلاً واضطرابات، بحسب نادر، بسبب الوحدة أحياناً في مختلف الظروف والتجارب التي يواجهونها، كالمرض مثلاً أو غيره. وكذلك لأنّ التوقعات تكون أعلى ممّا يجدونه عند وصولهم إلى البلد الآخر، ما يسبّب خيبة وكلّ المشاعر المرافقة لذلك. ثمة تفاصيل صغيرة لا يدركون أهميتها أيضاً إلّا عند السفر، بدءاً بأبسط الأمور في روتين الحياة والذكريات مع الأهل وطرق التواصل البسيطة مع الأم في الحياة اليومية واهتمامها، إذ يشعرون بحنين خاصّ إليها.

ما الذي يمكن أن يسهّل الأثر النفسي للهجرة؟

غالباً ما يكون الأصعب لمن يهاجرون الحنين إلى الوطن، وكذلك المنزل الذي في جدرانه ذكرياتهم، فله أثر نفسي كبير على الأشخاص لأنّ فيه كلّ التفاصيل التي تتعلق بحياتهم. كذلك يكون وقع التعلّق بالعائلة كبيراً وصعباً ما يسبّب الحنين، وخصوصاً أنه مهما تكُن التسهيلات في البلد الجديد تنقص هذه العلاقات الموجودة في لبنان، الذي يتميز بالعلاقات الاجتماعية فيه.

فهذا بشكل أساسي ما يفتقدونه عند المغادرة، لاعتبار أنهم لن يجدوه في مكان آخر. أما مشاعر الحنين إلى الوطن، فيمكن أن تخفّ اليوم في ظلّ الظروف الصعبة السائدة في لبنان، التي يمكن أن تشكل دافعاً للهجرة.

للحدّ من وطأة القلق والأفكار السلبية المرافقة للهجرة، تنصح نادر بـ:

- التعرّف إلى البلد الجديد مسبقاً قدر الإمكان قبل الهجرة إليه. ويمكن تحقيق ذلك إلى حدّ ما عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتعرف إلى أشخاص موجودين فيه. هذا كفيل بالحدّ من مشاعر القلق.

- الحرص على استمرار التواصل مع الأحباء والمقربين في لبنان بعد الهجرة إلى بلد جديد.

- حفظ أغراض معيّنة تحمل ذكريات ترتبط بالسنوات السابقة وبلبنان، ومنها روائح تذكّرهم بأشخاص يحبّونهم وصور تحمل ذكريات مع هؤلاء، وأغراض أيضاً تذكّرهم بالوطن وترمز إليه.

- محاولة تعلّم لغة البلد والتعابير الأساسية فيه قبل السفر لتسهيل الأمور والتواصل، لأنّها من العناصر الأساسية أيضاً.

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم