النهار

النهار

المراحيض في مراكز الإيواء تزيد معاناة النازحين ومطلوب زيادة النظافة والتأهيل!
المصدر: "النهار"
المراحيض تنقذ الأرواح! قد يجد البعض في هذه العبارة مبالغة فيما لم يفكر فيها البعض الآخر باعتبارها "تحصيل حاصل". لن تعرف قيمة ما نتحدث عنه إلا عندما تضطر إلى مواجهة هذا الواقع، خصوصاً في الحروب والنزاعات والكوارث الطبيعية التي تترافق مع حدوث إجلاءات واسعة للسكان الذين يلجأون إلى ملاذات قد لا تكون مؤهلة لاستقبالهم من المناحي كلها. أليست معاناة صامتة أن تضطر مئة عائلة فجأة إلى استخدام مرحاض أو عدد قليل من المراحيض، بعد أن كانت كل عائلة تستقل بواحد خاص بها؟ الأرجح أنها مساحة مسكوت عنها في ظاهرة النزوح. ​
المراحيض في مراكز الإيواء تزيد معاناة النازحين ومطلوب زيادة النظافة والتأهيل!
النازحون في مدارس بيروت (تصوير نبيل اسماعيل)
A+   A-
 
المراحيض تنقذ الأرواح! قد يجد البعض في هذه العبارة مبالغة فيما لم يفكر فيها البعض الآخر باعتبارها "تحصيل حاصل". لن تعرف قيمة ما نتحدث عنه إلا عندما تضطر إلى مواجهة هذا الواقع، خصوصاً في الحروب والنزاعات والكوارث الطبيعية التي تترافق مع حدوث إجلاءات واسعة للسكان الذين يلجؤون إلى ملاذات قد لا تكون مؤهلة لاستقبالهم من المناحي كلها. أليست معاناة صامتة أن تضطر مئة عائلة فجأة إلى استخدام مرحاض أو عدد قليل من المراحيض، بعد أن كانت كل عائلة تستقل بواحد خاص بها؟ الأرجح أنها مساحة مسكوت عنها في ظاهرة النزوح.
 
سلاح خفي ضد الأوبئة، فماذا حينما يسقط؟
 
ليس واضحاً أين اختُرع المرحاض أولاً في ظل تنافس بين اسكتلندا وجزيرة كريت، لكن ما نعرفه أنه من دونها تنتشر الأمراض الفتاكة بسرعة. إذ يموت أكثر من 750 طفلاً دون سن الخامسة يومياً من جراء الإسهال الناجم عن خدمات المياه والصرف الصحي غير المأمونة وسوء النظافة الصحية.
 
وفي حين أن معظم الناس في دول كثيرة يعتبرون توفر المرحاض أمرًا بديهيًا، فإن الوضع مختلف تمامًا في أجزاء أخرى من العالم. ووفقًا للأمم المتحدة، يعيش 3.6 مليارات شخص من دون مرافق صحية آمنة، ما يشكل أزمة صحية عالمية كاملة. وتقول الأمم المتحدة إن غياب المرافق المناسبة يؤدي إلى انتشار الأمراض بسهولة وتلوث مياه الشرب، ما يتسبب بوفاة مئات الآلاف من الأشخاص كل عام.
 
قد لا يخطر على بال كثيرين مناقشة مسألة المراحيض أو حتى التفكير فيها، فما يكون متوفراً في هذا البلد لا يعني بالضرورة توفره في دول أخرى، لا سيما الفقيرة منها. بحسب اليونسيف "ثلث مدارس العالم لا تتوفر فيها مراحيض كافية، كما أن 23 في المئة من المدارس لا يتوفر فيها أي مرحاض".
 
صحيح أن في لبنان لا وجود لثقافة مراحيض عامة، على غرار ما يحصل في دول عدة أخرى، لكن ماذا عن واقع المراحيض في المدارس الرسمية ومراكز الإيواء؟
 
في ظل الأوضاع الراهنة التي أدت إلى نزوح آلاف العائلات واتخاذ المدارس الرسمية مركز إيواء لها، يطرح السؤال اليوم: كيف هي حال المراحيض في تلك المدارس، وما مدى مأمونيتها وما هي بنيتها؟
 
طفلة نازحة في إحدى مدارس الإيواء (تصوير نبيل إسماعيل)
 
مشكلة فعلية في المدارس
 
لا يخفى على أحد أن واقع بعض المدارس الرسمية متهالك وغير مؤهل، حتى إن بعضها غير مزود بمياه الاستخدام، ومرافقه الصحية غير مناسبة. لا يمكننا التعميم بالطبع، لكن كما هو حال البلد "منشوف من كل شي".
 
شهدت بعض المدارس الرسمية إعادة ترميم أو توسيع بعض أجزائها وتعزيز البنية التحتية الصحية فيها. ينطبق ذلك على حال مدرستي عرسال الأولى والثانية الرسميتين للمرحلة المتوسطة. وقد استقبلت حتى الآن نحو 238 نازحاً توزعوا على  168 شخصاً في متوسطة عرسال الأولى و70 نازحاً في الثانية.
 
ويؤكد مدير "الجمعية اللبنانية للدراسات والتدريب- فرع عرسال" طلال الحجيري، أن العمل الأساسي اليوم يتمثل في تأمين كل المستلزمات الأولية. ويجرى البحث حتى في كيفية تأمين المياه الساخنة للاستحمام، وكذلك يُعمَل على إصلاح أي عطل في الحنفيات.
 
ويوضح الحجيري أن وضع المدارس في عرسال جيد وتعتبر مؤهلة وجاهزة، وتتمتع الأولى بطاقة شمسية وسخان للمياه، في حين يتم العمل على تأمين هذه التسهيلات إلى عرسال الثانية لتوفير كل ما يحتاجه الناحون في يومياتهم.
 
لا يختلف الواقع في "ثانوية الفاكهة الرسمية". ويعتبر هذا المبنى الذي دشنته وزارة التربية منذ سنوات قليلة، مؤهلاً وجيداً، وفيه كل المتلطبات الأساسية كأدوات التنظيف والمياه.
 
في المقابل، تواجه بعض المدارس الرسمية الأخرى تحديات أساسية من ناحية البنى التحتية وجهوزية المراحيض وغيرها. إلا أن لا خيار أمام النازحين سوى المكوث هناك بعد ان هربوا من ويل القصف والدمار. لا مكان آخر لديهم، وعليهم التحمل إلى حين انجلاء الصورة أو تأمين بديل أفضل.
 
حتى يومنا هذا، لا يزال كثيرون يفتقرون إلى المرافق الصحية الأساسية، مثل المراحيض الخاصة أو العامة.
 
طفل في العراء (يونيسف)
 
في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب قارة آسيا، يُعد عبء انعدام المرافق الصحية الملائمة كبيرًا بشكل خاص. تنتشر الأمراض بشكل واسع حينما لا تتوفر مرافق صحية مناسبة. وتشير التقديرات إلى أن ما يقرب من نصف مليون طفل دون سن الخامسة يموتون سنويًا بسبب الإسهال الناتج عن سوء الصرف الصحي.
 
حتى في أنظمة الصرف الصحي نشهد فروقات صارخة حول العالم ونقاشات متنوعة تُظهر الهوة بين دول كثيرة. ففي الدول الغنية مثل ألمانيا أو الولايات المتحدة، يدور النقاش حول استخدام المراحيض الخاصة بالمتحولين جنسيًا. أما في الهند، فقد تعرض طفلان للضرب حتى الموت بسبب التبرّز في العراء.
 
ما لا نتحدث به لا يعني أنه إشكالية غير موجودة، قد يكون تسليط الضوء على أهمية توفر مراحيض مؤهلة وصحية مطلبًا أساسيًا في ظل الوضع الراهن، خصوصًا أن مباني كثيرة لا نعرف حقيقة وضعها ومدى جهوزيتها فبالحد الأدنى، فمن يضمن نظافة ومأمونية هذه المراحيض في زمن الحرب والنزوح؟