تضحيات وتفانٍ حتى الرمق الأخير... خسائر القطاع الصحي في لبنان في عام 2020
شكّل عام 2020 التحدّي الأكبر للقطاع الطبي، على صعيد العالم طبعاً بوجود جائحة كورونا، لكن اكثر بعد في لبنان نظراً لكل ما واجهه من ضغوط مع الكوارث المتكررة التي شهدناها. التحديات كانت كثيرة طبعاً على القطاعين الطبي والتمريضي ومعها ازدادت الخسائر بشكل زاد من الأعباء. لكن في الوقت الذي سلّطت فيه الأضواء على هذين القطاعين في "العام التحدي" على المستوى الطبي، أثبتا قدرة استثنائية على مواجهة الضغوط مهما ازدادت وكفاءة عالية مكّنتهما من تخطي الأسوأ وإنقاذ المجتمع من الكوارث المتتالية التي ألمت به.
بدأ عام 2020 بجائحة كورونا التي كانت التحدي الأكبر الذي واجهه العالم ولا يزال. في لبنان لم تقتصر الضغوط على القطاعين التمريضي والطبي على ذلك، فقد استطاعا مواجهة الضغوط الناتجة من انتشار الوباء بتفانٍ وكفاءة عالية. التضحيات كانت كثيرة والثمن غالياً أحياناً لكن الاوضاع المرافقة لم تكن سهلة أيضاً. بحسب نقيبة الممرضين والممرضات ميرنا ضومط كان عام 2020 عام المقاومة والبطولة للتمريض فساهم القطاع في ثبات القطاع الطبي واستمراريته في وجه التحديات. هذا فيما تشير إلى التحديات الكثيرة في لبنان بدءاً من كورونا والأزمة الاقتصادية وانفجار مرفأ بيروت. "يشبه القطاع التمريضي طائر الفينيق الذي يعود وينهض في كل مرة ليلمع أكثر بعد ويبرز، كما حصل في مختلف المحطات الكارثية التي مرت بها البلاد في عام 2020. فما حصل أثبت أن القطاع التمريضي حيوي، خصوصاً أن الممرضين كانوا خط الدفاع الأول في مواجهة كورونا بشكل خاص".

تذكر ضومط 6 شهيدات خسرهن القطاع في انفجار مرفأ بيروت وشهيدة بسبب كورونا، من دون أن تنسى التضحيات والتفاني التي تستحق التقدير لدى حصول انفجار بيروت حيث بقي الممرضون يقفون على أقدامهم رغم الجروح والألم في سبيل مساعدة الآخرين وإنقاذهم. وتلفت ضومط هنا إلى أن هؤلاء الذين يقومون بهذا الكم من التضحيات هم في سن صغيرة إجمالاً لكنهم لم يترددوا لحظة بسبب تفانيهم في العمل وعشقهم له وحسّهم الإنساني. فكانت هذه محطة لافتة تستحق التقدير بالنسبة للقطاع التمريضي الذي شكل عنصراً أساسياً في هذه المحطة الكارثية التي شهدتها البلاد، إلى جانب دور الأطباء طبعاً وكافة العاملين في المستشفيات.
وبالتوازي مع كلفة الكوارث التي حلّت بالبلاد، بقي طبعاً على القطاعين التمريضي والطبي الصمود وتقديم الرعاية في الوقت نفسه لباقي المرضى والحالات في المستشفيات.
التضحيات كانت كثيرة من القطاع التمريضي ويُشهَد لها. لكن في الوقت نفسه، تأسف ضومط إلى قلّة التقدير لهذا التفاني في العمل في هذا القطاع والإجحاف بحقه وبدوره الحيوي بالنسبة للبلاد. ففي التمريض قصة شغف في العمل وحس إنساني وتفان لكن من المؤسف أن التضحيات لا تقابل بالتقدير اللازم بدءاً من السياسة الصحية المعتمدة لتأمين أبسط الحقوق المطلوبة من أجور وحماية وتحسين ظروف العمل. يشكل الإجحاف بحقهم تهديداً حقيقياً للقطاع وللبلاد عامة وقد ساهم في خسارة نحو 500 ممرض وممرضة غادروا البلاد بحثاً عن مستقبل أفضل وهم من ضمن نسبة الـ 49 في المئة الأكثر كفاءة وخبرة وجدارة، فالبقاء أصبح بمثابة تضحية كبرى ويشكل ذلك خسارة حقيقية للبلاد. "الاستثمار في القطاع التمريضي كفيل بالتخفيف من الفاتورة الصحية وهذا ما أشدد عليه دائماً بالتواصل مع الجهات المعنية ووزارة الصحة. فهذا القطاع يساهم بتقوية القطاع الصحي وفي تحسين نوعية الرعاية الصحية مما يدعو إلى اعتماده في صلب السياسات الصحية بحيث يكون لأفراده دور فاعل فيها وفي وضعها بدلاً من استبعادهم دوماً من مواقع القرار".
على الرغم من قساوة هذا العام إلا أنه ساهم في تسليط الضوء على أهمية هذا القطاع الحيوي في البلاد ودوره الاستراتيجي والحاجة الملحة لتقدير التضحيات التي تبذل فيه فتؤخذ بعين الاعتبار لينضم أفراده إلى مراكز صنع القرار في البلاد بدلاً من أن يبقوا مهمشين.
ما الخسائر في القطاع الطبي؟
يشهد نقيب الأطباء الدكتور شرف أبو شرف على أن عام 2020 كان أسوأ السنوات بالنسبة إلى القطاع الطبي الذي خسر 10 أطباء بسبب كورونا وأكثر من 400 طبيب غادروا البلاد بسبب الظروف الاقتصادية والمعيشية والأمنية الصعبة. كما يضاف إليهم ما لا يقل عن 200 طبيب في الحجر المنزلي بشكل متتالٍ بسبب التعرض للفيروس وظروف الوباء. يشير أبو شرف إلى من غادروا البلاد معظمهم من الأكثر كفاءة وهي خسارة كبرى لا تعوّض للبلاد وللقطاع الطبي. "تأثر الأطباء كما كل فرد في المجتمع. لكن كان متوقعاً أن يكون الطبيب آخر من يتأثر بهذه الظروف. إلا أن الضربات أتت متتالية وقاسية بشكل أصابت القطاع الطبي في الصميم، خصوصاً مع انفجار مرفأ بيروت وتضرر عدد من المستشفيات في العاصمة بحيث خسر كثر من الأطباء عياداتهم ومجال عملهم".
المصائب التي ألمّت بالقطاع كثيرة وترافقت مع أزمة المصارف، إضافة إلى كورونا وانفجار المرفأ والمشاكل المزمنة التي يواجهها أصلاً. لذلك دعت النقابة، بحسب أبو شرف، إلى معالجة هذه الأزمة بدءاً من التعرفة الرسمية التي يتقاضاها الطبيب مع تأخير سنة ولم يقدّم لها حلّ بعد. تضاف إليها القضايا القانونية العالقة حتى اللحظة والتي تعنى بالاعتداءات المتكررة الحاصلة على الأطباء.
"حرصنا كنقابة على تقديم مبالغ نقدية لعائلات الأطباء الذين خسرناهم في مواجهة الوباء. هذا إضافة إلى اجر تقاعدي للأطباء الذين في الحجر. كما أجرينا ورش عمل تكريمية للأطباء تقديراً لتضحياتهم. على الرغم من المآسي الكثيرة في هذا العام، نحمد الله على ما كانت له من إيجابيات في تقريب الناس من بعضهم وزيادة الحس الإنساني ولا يبقى لنا اليوم إلا الامل بانتهاء هذه المحن وبالتغلب عليها بالتعاون مع بعضنا والتضامن".
مما لا شك فيه أن عام 2020 شكل امتحاناً صعباً للقطاع الصحي في البلاد وقد أثبت عن جدارة وقدرة فريدة على تخطي الصعوبات. فلكل فرد في القطاعين الطبي والتمريضي التحية والتقدير على الجهود المبذولة لإنقاذ المجتمع وعلى الحسّ الإنساني والتفاني في العمل ولو في ظل الإجحاف الحاصل في كثير من الأحيان.