الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"العصفور الأزرق" في قبضة "تاجر الزمرد"... ماذا يدبّر إيلون ماسك للعالم؟!

المصدر: "النهار"
تعبيرية (أ ف ب).
تعبيرية (أ ف ب).
A+ A-
محمد حسين أبو الحسن
 
حدث فريد، جرى الأسبوع الماضي، اشترى الملياردير إيلون ماسك منصة التواصل الاجتماعي "تويتر"، في صفقة بلغت قيمتها 44 مليار دولار، حاول مجلس إدارة الشركة إبطاء الصفقة، باللجوء إلى إجراء "حبة السم"، لكن ماسك نجح في تحقيق مراده، مؤكداً سعيه الى الحد من الرقابة على محتوى المنصة؛ ما يثير علامات استفهام حول تأثيرات مخططاته، على المستوى الإقليمي والدولي، لدرجة دفعت دميتري روغوزين، رئيس "روس كوسموس" إلى القول إن طموح ماسك مالك شركات "تسلا" و"سبيس إكس" و"تويتر" لا يتمثل في غزو كواكب المجموعة الشمسية، بل السيطرة على "العقول" في الغرب من خلال "إمبراطورية معلومات"، بينما أبدى الاتحاد الأوروبي تخوفه من تساهل ماسك مع دعاوى العنصرية والكراهية والتحكم في الديموقراطيات، ولا يختلف الوضع في الشرق الأوسط، فالقلق شديد من أن يجد المتطرفون وأصحاب الأفكار الشاذة براحاً خطيراً على المنصة العالمية.
 
"حبة السم"
إيلون ماسك أغنى رجل في العالم، وفقاً لمجلة "فوربس" تقدر ثروته بنحو 274 مليار دولار؛ إنه أيقونة الشباب والأعمال، ونظراً الى التراكم الصاروخي لثروته يُتوقع أن يصبح "أول تريليونير" في تاريخ البشرية، ولد ماسك في 28 حزيران (يونيو) عام 1971، في بريتوريا في جنوب أفريقيا، ولما بلغ 17 عاماً هاجر إلى كندا، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة؛ لدراسة الفيزياء والاقتصاد في جامعة بنسلفانيا، بدأ خطواته في عالم الأعمال بمساعدة والده في بيع الزمرد، عبر أقطار أفريقيا جنوب الصحراء، وواصل دأبه إلى أن أصبح الأكثر ثراء حالياً، وقد نجح الملياردير الأميركي في الاستحواذ على "تويتر"، متجاوزاً عقبة "حبّة السم" التي تعني إجراءات عدة تحول دون استحواذ أي مشترٍ على الشركة، من دون موافقة مجلس الإدارة، إلا بشروط خاصة. 
 
حدد ماسك ملامح خطته لمستقبل المنصة الشهيرة، وغرد: "سأعمل على زيادة الثقة في تويتر، أريد جعلها أفضل بمميزات جديدة: خوارزميات مفتوحة المصدر، القضاء على حسابات برامج روبوتات الإنترنت، حرية التعبير ستبقى حجر الأساس لديموقراطية فاعلة، تويتر هي ساحة المدينة الرقمية، حيث تتم مناقشة الأمور الحيوية لمستقبل الحضارة والبشرية؛ العالم يحتاج إلى ساحة رقمية "شاملة" تلتزم مبادئ حرية التعبير".
 
بيد أن الانطباع العام هو أن إيلون ماسك غريب الأطوار ومواقفه ضبابية، وأن ما يحركه دوماً هو الصفقات والأعمال المختلفة، من السيارات الكهربائية إلى غزو الفضاء، ما يجعل مواقفه السياسية والأخلاقية مرتبطة بهذه الأعمال، يصف نفسه بأنه رجل وسط بين الديموقراطيين والجمهوريين في أميركا وكمحافظ يميني واشتراكي يساري في الوقت نفسه، وتبرعاته لأقطاب متناقضة في السياسة، هذا في حد ذاته يجعل من سيطرته على "تويتر" أمراً مرعباً؛ شخص واحد يتحكم بالمعلومات، على إحدى أكبر منصات النقاش والتواصل الاجتماعي في الكوكب؛ ما يقسم الفضاء السيبراني العالمي بين إيلون ماسك ومارك زوكربيرغ المهيمن بدوره على موقع التواصل الأكبر "فايسبوك" والمنصتين التابعتين له "إنستغرام" و"واتس أب". 
 
عودة ترامب
من ثمّ تثور النقاشات حول طبيعة الدور الذي قد يلعبه "تويتر"، مثلاً، في انتخابات الدول الديموقراطية الغربية، لا سيما الولايات المتحدة، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في عام 2024، واحتمالية إعادة تفعيل حساب الرئيس السابق دونالد ترامب؛ وفي حين رحبت مارشا بلاكبيرن السيناتور الجمهورية بشراء ماسك "تويتر"، ووصفته بأنه يوم مُشجع لحرية التعبير، أكدت إليزابيث وارين السيناتور الديموقراطية أن الصفقة خطيرة على الديموقراطية الأميركية، وطالبت بفرض ضريبة الثروة وقواعد قوية لمحاسبة شركات التكنولوجيا الكبرى، أما جين ساكي المتحدثة باسم البيت الأبيض فأشارت إلى أن الرئيس جو بايدن يشعر بالقلق منذ فترة طويلة؛ بشأن قوة منصات التواصل الاجتماعي الكبيرة، بغض النظر عمن يمتلك موقع "تويتر" أو يديره. وذهب أنجيلو كاروسوني، رئيس "ميديا ماتيرز"، وهي مجموعة رقابية إلى أن هذه الصفقة تتعلق بما هو أكثر بكثير من مجرد مستقبل "تويتر". البيع إلى إيلون ماسك من دون أي شروط سيلوث النظام البيئي للمعلومات بأكمله من خلال فتح بوابة من الكراهية والأكاذيب!.
 
السر في ذلك يكمن في رغبة ماسك بأن يتمتع "تويتر" بحرية الرأي بشكل مُطلق ومن دون ضوابط تقريباً، وهو ما قوبل بمخاوف وانتقادات كبيرة؛ بالنظر إلى التأثير الواسع للمنصة على الرأي العام عبر جميع البلدان. وفي ظل عدم اليقين إزاء ما قد ينجم عن سيطرة رجل واحد، هو الأغنى عالمياً، على هذا "التأثير"، وكأنه يضع بين يديه "عصا موسى". صحيح أن "تويتر" أعلنت عن 217 مليون مستخدم نشط يومياً العام الماضي، ما يتركها بعيداً من مليارات المستخدمين على منصات شركة "ميتا" المنافسة، إلا أن مستخدمي "تويتر" يشملون سياسيين ذوي نفوذ هائل، وقادة أعمال، وفنانين، ونشطاء، ومثقفين... وشخصيات عامة لهم متابعون وجمهور واسع يؤثرون فيه. وبحسب مركز "بيو" للأبحاث يرى 70 في المئة من مستخدمي "تويتر" في الولايات المتحدة أن "المنصة" مصدر أخبار مهم- إن لم يكن الأهم؛ ما يجعل سيطرة إيلون ماسك عليها مزعجة، حتى في أميركا نفسها، وعلى الشاطئ الآخر من المحيط الأطلسي، أعربت بلدان الاتحاد الأوروبي عن انزعاجها من هيمنة ماسك على تويتر للأسباب ذاتها. 
 
ضوء أحمر
تتزامن صفقة ماسك لشراء "تويتر" مع احتدام نقاشات مجتمعية، حول قوة المليارديرات في العالم الافتراضي وتأثيرهم، وتسرب المعلومات الخاطئة والمضللة إليها، كذلك المسؤوليات التي تدين بها المنصات التقنية لمستخدميها ومجتمعها، واللوائح الجديدة التي يجب أن تحدد مسارات عملها؛ لذلك شدد آدم كونور، الموظف السابق في "فايسبوك" ونائب الرئيس لسياسة التكنولوجيا في مركز التقدم الأميركي على أن شراء ماسك موقع "تويتر" لجعله خاصاً يجعل خدمة أساسية أقل شفافية وأكثر عرضة للمساءلة. إن استحواذ ماسك على "تويتر" ضوء أحمر وامض؛ حول سبب خطورة تمركز مساحاتنا على الإنترنت في أيدي قلة مختارة من المليارديرات.
 
حاول ماسك تبديد المخاوف بالقول إن "تويتر" حالياً مقيد للغاية، مقترحاً التساهل مع المحتوى، بغض النظر عن مضمونه والابتعاد إلى أقصى حد عن حظر الحسابات. لكن بدلاً من أن تهدأ الشكوك، تصاعدت أعاصير القلق؛ إذ أعربت جماعات حقوق الإنسان عن مخاوفها من أن يؤدي الافتقار إلى الاعتدال في المنصة الى زيادة خطاب الكراهية، في عالم يموج بالأزمات من كل نوع؛ حذر تيري بريتون مفوض الاتحاد الأوروبي للسوق الداخلية، إيلون ماسك من التراخي في تعديل المحتوى، مبيناً أن إدارة "تويتر" سيتعين عليها الامتثال لقوانين أوروبا، بشأن قضايا مثل الاعتدال والشفافية وخطاب الكراهية، وقال بريتون إنه إذا فشلت "تويتر" في ذلك، فقد يفرض الاتحاد الأوروبي غرامة على الشركة بنسبة 6 في المئة من إيراداتها السنوية أو حتى حظرها من العمل في أوروبا بالكامل. لافتاً إلى أن أي منصة لديها 45 مليون مستخدم مطالبة بالتحرك الفوري، ضد أي محتوى ضار أو غير قانوني على منصاتها، بكل لغات الاتحاد الأوروبي.
 
هكذا تلاقت أصوات عابرة لجانبي الأطلسي، من الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما إلى مشرعي الاتحاد الأوروبي، تأييداً لإلزام وسائل التواصل الاجتماعي باتباع معايير صارمة لإدارة المحتوى، وليس نهج عدم التدخل الذي يفضله ماسك، خشية أن يؤدي إلى عواقب وخيمة على مستخدمي تلك المنصات الرقمية، بخاصة النساء والملونين، ناهيك بطبيعة التعاطي مع القضايا الوطنية والدولية التي تترك بصمتها في النهاية على الأحداث العالمية، في هذا الزمن القائظ، وإذا كان ذاك حال القوم في الغرب وطن "تويتر"، وفايسبوك" وغيرهما، فماذا عنا نحن العرب المستهلكين المدمنين لمعطيات هذه الوسائل، من دون أدنى مشاركة في صنعها أو توجيهها؟!..
ذاك حديث آخر. 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم