الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

تمسكوا ببعض... مش بخوانيق بعض!

المصدر: النهار - ساره مجدرة
عنوان مقالي اليوم غريب أليس كذلك سيداتي سادتي؟
عنوان مقالي اليوم غريب أليس كذلك سيداتي سادتي؟
A+ A-
عنوان مقالي اليوم غريب أليس كذلك سيداتي سادتي؟ إنه منبعٌ لقصة حقيقية قد حصلت معي في شارع الحمرا عندما كنت أنتظر أحداً لا وجود له لكي يأتي ويشاركني قهوتي المرّة. انتهيت من جلوسي وتخبطي مع نفسي بصراعات وسيناريواتٍ ليس لها وجود خلقتها في رأسي بهدفِ إغلاق الفراغ الذي أعاني منه في حياتي، وسؤالٍ أطرحُهُ دائماً في رأسيَ المنفوخ "لما قد وُجِدتُ على هذه الحياة بالأصل؟".
لملمتُ أشلائي المبعثرة وأفكاري التي سقطت بين أحضاني وعلى الأرض، بدأتُ بالسير قدماً متوجهة نحو سيارتي الحمراء الصغيرة التي ركنتها إلى جوار المقهى التي كنت أجلس فيه وقبل وصولي إلى باب سيارتي بثلاث خطوات فقط، رأيت سيداتي سادتي منظراً قد أعاد تخبّطيَ النفسي وصراعٌ لا ينتهي بيني وبين نفسي وكأنه جعلني عدواً لنفسي وللإنسان!
وقفت، ثم تقدمت خطوة ثم وقفت، ثم تراجعت !شعرت بلكمةٍ في حنجرتي الصغيرة، ارتجفت يداي وتمسكت بنفسي وكأنني سأُقلِع بطائرةٍ نحو بلدٍ لا وجودَ لهُ على الكرةِ الأرضية. شعرتُ بحرارةٍ نعم بحرارةٍ في جسدي وعرق يصبُّ بين إبطيَّ وحيرةٍ قد جعلتني أقفُ مثل العمودِ في مكاني.
سيداتي سادتي، لقد كنت في صراعٍ داخلي كانت نتيجتهُ حقداً على البشر! رأيت عجوزاً يتصبّب منه العرق وهواء يلعب بخصل شعرهِ البيضاء التي داعبها الزمن وتجاعيد جبينهِ الأسمر تحكي قصة شبابهِ الذي انتهى مع مرور الدهر، وخطوط يديه قصة حربٍ قد عاشها هذا المسن وعمرٍ قد فُنِيَ في بلدِ مقبرة الأحلام "لبنان". يمشي خطوات الطفل الذي أبصر الحياةَ لأول مرة، رِكَبهُ التي صدِئت عبر الوقت لن تساعده في تخطي طريقه للوصول إلى المنزل، حاملاً غالونين من المياه وفي جعبته علبة لبنة بلدية صغيرة بالكاد تطعمه هو وعائلته. أعجبني لباس نومه القديم الذي رافق أحلامه ليلاً حيث خبأ فيه أحزانه وخواطره المنكسرة. وقفَ قُبيل سيارتي وأخذ نفساً عميقا لكي يستطيع أن يحمل هذا الوزن الهائل ويستعيد بكل ما فيه من قوة ليٌكمِلَ دربه ويصل إلى منزله.
شدّني المشهد وجعلني أرتبك كأنني رأيت شيئاً لم أره من قبل وكأنني أرى فلسطينَ محررة! أو مزارع شبعا محررة من أيدي المغتصبين! في البداية راودني شعور الخوف لأننا في زمننا هذا لا نستطيع الثقة بأحد، سيداتي سادتي لقد اختلط الحابل بالنابل نحن في زمن لا وجود للإنسانية فيه وانعدام الأمان والاستقرار حتى داخل الأسرة الواحدة. نحن في زمنٍ نخنق بعضنا البعض فيه وننهشُ في لحم بعضنا كأننا لم نتذوق اللحمة في حياتنا من قبل!
صراعٌ قد شهدتُ على وجودي فيه! بين قلبي وعقلي أنصت لكلٍ منهما مع بعض، صراخٌ يعلو بينهما وأنا أقف بِحِيرة لمن أستجيب؟ عقلي يقول تراجعي لعله يمثّل لكي يستعطفَ البشر ذوي القلوب القاسية يريد أن ينقضَّ على أحدٍ منهم، بينما قلبي يقول أنظري له جيداً هل يبدو لكِ بكاذب؟ أنصتي لحدسَك وحاستك السادسة التي لم تخطئ قط! أنصتي جيداً! انتِ تدركين البشر جيداً يا سارة.
توجهت له بصوتٍ عالٍ واندفاع وقلت لهُ: "عمو وين بيتك؟". رأيتُ صدمته العارية التي رفعت تجاعيد وجهه، لقد شعرت بأن سؤالي قد هزَّ كيانه وجعله يرتعش فخطوط يده كانت تدل على ذلك، وقوع غالوني المياه من يده لشدة الصدمة وارتعاش سرواله الذي رأيته كان منظراً لا أستطيع وصفه! تعثّرَ بكلماته حتى إنني أذكر أنه سرق بعض حروف الكلمات من شدة خجله، فأسرعت بالجواب وقلت له مرة أخرى: "عمو قلي وين بيتك؟"، رفع إصبعه الصغير وقال لي بكل هدوء: " في آخر الشارع يا عمو". ومن ثم حمل غالوني المياه وحاول أن يسرع بخطواته الطفولية ينجو من خجله أمامي، يحاول أن لا يسمع لذاته التي تطرحُ صراعاً في داخله تقول فيه: "الله يلعن هالزمن اللي وصلنا فيه لهون..."، حاكياً لي "معليش عمو أنا بروح لحالي ما بدي عذبك".
انهالت يداي عليه بقوة وأخذتُ غالوني المياه من أمامه ووضعتهما في صندوق سيارتي حيث رأيت عينيه الصغيرتين تلمعان من صدمته بردةِ فعلي السريعة التي لم تتجاوب مع مطلبهِ أبداً!
قلت له: "عمو طلاع لوصلك ولو إنت متل بيّي وتفضل عالسيارة"، أجابني بشيء لم أتوقع سماعه صراحةً، قد أدل على بساطة تفكيره ونقاء قلبه: "عمو أنا خايف تروح عليكِ صفّة السيارة خلص انا بروح لحالي".
رفضتُ طبعاً ومضيتُ بسيارتي نحو باب منزله وكان سعيداً بذلك الموقف، ربما شعر أنه طفلٌ صغير قد أمسكَ أحدُ المارةِ بيديهِ وساعده بقطع الشارع، تذكرون سيداتي سادتي ذلك الموقف عندما كنا صغاراً صح؟
ذلك المشهد جعلني أتصارع مع أفكاري الهائلة داخل جمجمةٍ صغيرةٍ لا تتسعُ لتلك الملاكمات الفكرية! أطرحُ سؤالاً تلوَ الآخر لمَ نحن البشر كذلك؟ لما عُدنا نفتقر للإنسانية؟ لما أصبحَ زماننا خالياً تماماً من الشعور؟ وأصبحت أحاديثنا لا تتعلق إلا بـ"اديش صار عندك فولورز؟" أصبحنا عباداً لمواقع التواصل الاجتماعي ونسينا بعضنا البعض، أصبحنا روبوتات للمعاشرة الجنسية والأكل والنوم. عُمِيَت عيوننا كلياً عما هو مهم في حياتنا وهو النِعَم... أصبحنا نقضي مصالحنا الذاتية على ظهر من نحب، نركل مؤخرة الناس ونضع رصاصةً برأسِ من لا يوافقنا الرأي أو المَمشَى!
في الختام سيداتي سادتي فكرتي هي بسيطة تحاكي القلب والعقل "تمسكوا ببعض... مش بخوانيق بعض!".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم