الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

سيادة القانون والإستغلال السياسي

المصدر: النهار - عصام ي. عطالله
في زمن يفتقد إلى ثقافة احترام القانون، تذوب الحقيقة وتختفي في أروقة الجهل والضياع
في زمن يفتقد إلى ثقافة احترام القانون، تذوب الحقيقة وتختفي في أروقة الجهل والضياع
A+ A-
في زمن يفتقد إلى ثقافة احترام القانون، تذوب الحقيقة وتختفي في أروقة الجهل والضياع. إنها حالة قد تولد في مجتمعات يستبيح البعض فيها القوانين والأنظمة لتحقيق أهداف على حساب الجماعات تحت عناوين مشبوهة تسمح لمطلقيها بمخالفة القوانين على مختلف المستويات.
من المعلوم أنه حين تحصل مخالفة القانون يجب أن تتم المحاسبة لتحقيق العدالة. لكن الحاجة أحياناً تجر السلوكيات والتفسيرات لتبرير مواقف غير قانونية تؤدي الى تشويه معنى العدالة، ما يجعل بعض المجتمعات فريسة النفوذ واستباحة القوانين حسب الحاجات والرغبات.
منذ عقود تشهد البلاد فلسفات وتأويلات عملت على تشويه الحقائق، وأصبحت القوانين "وجهة نظر" بدل أن تكون هي التي على أساسها يتم احترام الحقوق والواجبات. من جهة أخرى أصبحت العدالة غريبة في مجتمعنا. العدالة تعني بما تعنيه "قاعدة اجتماعية أساسية لاستمرار حياة البشر مع بعضهم البعض"، فلا عدالة من دون أخلاق، ولا عدالة من دون مساواة، ولا عدالة من دون حقوق يتمتع بها جميع الناس ضمن المقاييس والمعايير التي ينص عليها القانون أو الدساتير في البلدان عموماً، وهذه المعايير تنسحب على الأوجه العديدة للعدالة، فمنها الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والقضائية والمساواتية، ويبرز دورها في كيفية تطبيقها ليس إلاّ.
وللحماية، على العدالة أن تكون ثقافة معمّمة لكي تحترم، ولتأمين العدالة على النظام الكائن القيام بالواجب تجاه المجتمع حيث للأفراد دورهم الأساسي في تحديد الآليات المعمول بها من خلال الدور الذي يقوم به المحامي والقاضي والإدارات المرتبطة لإتمام الواجب تجاه العدالة أولاً، والإنصاف تجاه أصحاب الحقوق ثانياً. لهذه الأسباب مستوى تطبيق العدالة في الأوطان مؤشّر الى رقيّها وتقدمها. عندما تكون العدالة هي الصفة الغالبة، تشهد الدول نمواً واستثمارات، وبيئة صالحة ليكون الكيان مكاناً أفضل للحياة.
أمّا السياسة، فهي كيفية توزيع القوة والنفوذ ضمن مجتمع ما أو نظام معين، والحالة هذه تجعل من رجال السياسة يعملون لتحقيق الغايات المرجوّة، علماً بأن "هارولد لازول" حدّد السياسة بأنها دراسة السلطة التي تحدد من يحصل على ماذا، متى، وكيف؟ وعليه تشعّبت "التطبيقات" السياسية من الأهداف التي وضعت لها بالأساس لتلائم حاجات السياسيين وأحياناً كثيرة على حساب العدالة.
لا سياسة من دون عدالة، بل أحياناً تصبح السياسة أداة لاستعمال الموقع بهدف تحقيق أهداف شخصية آنية أو حزبية على حساب الإنصاف، وداخل الأوطان ورغم المخاطر التي يخلقها السياسيون، يتم البحث دوماً عن الحقيقة بهدف المحاسبة، من أجل إقامة عدالة تنبثق من حاجات الشعوب، والذي يعطي الإنسان في المجتمع حقوقه الطبيعية في صراعه من أجل الحياة، ونضاله في درء الأخطار عن حياته وماله وحريته وكرامته وعرضه، يتحول هذا الأخير الى مطالب ومن ثمّ الى ثائر وفي الحالتين صراع وتصادم وعدم إنتاجية، لكن على العدالة ان تفعل فعلها من خلال الجسم القانوني أو من خلال سلطة الاختيار، اختيار من يدير الموارد والإدارات في المؤسسات العامة والتشريعية للبلاد.
لا قانون، ولا عدالة، ولا سياسة، ولا أخلاق من دون وعي وثقافة وعلم وإدراك لما يجري من أحداث في العلن والأروقة، فلا معلومة يجب أن تبقى طيّ الكتمان، ومن يخفي أمراً عن الآخرين، خصوصاً الشركاء في الوطن والبنيان، كمن يسرق ويختلس من أمام الشعب، وفي زمن العولمة هذا ومع التطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي والنمو الأسي للمعرفة لا يجوز أن يكون الإنسان غريباً عن النضوج لتحليل كل مجريات الأحداث من حوله، ولا عذر لأحد أن يختبئ وراء ما يدّعي معرفته، وهو بالحقيقة لا يفقه شيئاً.
العدالة والسياسة وجدتا لكي تعمما وتسودا على الجماعات والأفراد بهدف صون الحقوق، ولكي يطبّق الفرد الواجبات تجاه الكيان الذي يحضن ويحصّن ويردع كل وباء من أي جهة أتت، وهما لا لون لهما ولا دين، اللهم إلا عندما يسمح القوي لذاته باستعمال العنف الجسدي بدلاً من العصف الفكري والتحليل، حينئذ يفقد المجتمع القدرة على التواصل والانصهار.
إن المجتمعات بحاجة الى الوعي الذي يبدأ من الفرد والعائلة والقرية والمجتمع المحلي والسلطات المركزية، من أجل السهر على تطبيق العدالة، من خلال القانون، لأن القانون ثقافة يجب أن تعمّ في العقول والأدمغة البشرية لتكون (الثقافة) الرادع لكل الأعمال العنفية أو البربرية أو الغبية... والسلام.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم