الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

شيطان بثوب ملاك

المصدر: النهار - ريمون مرهج
كنت أسير على الرصيف في السوق لأجلب بعض الإغراض وإذ بي أصادف امرأة فقيرة تتسول
كنت أسير على الرصيف في السوق لأجلب بعض الإغراض وإذ بي أصادف امرأة فقيرة تتسول
A+ A-
كنت أسير على الرصيف في السوق لأجلب بعض الإغراض وإذ بي أصادف امرأة فقيرة تتسول. كانت تصرخ بأعلى صوتها: كما أن جسدي ليس للبيع فروحي أيضاً وكرامتي أيضاً ليستا للبيع، وأنت يا الله لن ترضى بذلك، أنت من خلقتني حرة في هذا العالم وجعلتني أؤمن بك وأكون من أبنائك لن تقبل أن أكون عبدة للإنسان. سألت احد أصحاب المحال العارف بكل ما يجري في الشارع فقال لي: كل هذا الصراخ بسبب مديرة في مؤسسة حيث كانت تعمل هذه المرأة التي كانت تود ترك عملها لأن أجرها كان زهيداً جداً لا يكفي ثمن الخبز لعائلتها، وكانت تسير على أقدامها كل يوم أميالاً وأميالاً لتوفر بدل النقل فتجلب به رغيفاً لأسرتها وفي أحد الأيام عثرت المرأة الفقيرة على عمل أفضل وبمعاش مقبول يجعلها تحيا في الحد الأدنى بسلام واكتفاء ذاتي لها ولعائلتها، فأخبرت ربة عملها أنها تود الرحيل، فهبت عليها كاللبوة ومنعتها من ترك العمل كما هددتها بقطع رزقها أينما حلت ووجدته، ثم أشبعتها شتائم وإهانات قائلة لها: إن تركت العمل هنا فلن أجعل أي شركة تقبل بك، وسأجعل منك امرأة حقيرة وغير مرغوب بك في كل هذا المجتمع. صعقت المرأة الفقيرة من كلامها وخاصة أن تلك الكلمات كانت تصدر من شخص يدعي أنه رسول السلام والمحبة بحسب الثوب الديني الذي كانت ترتديه فرأت بها إبليس بلباس ملاك.
قررت المرأة أن لا ترضخ لظلمها ولا أن تكون سجينتها فتحمي كرامتها بالرفض وترحل، ولكن وبعد عدة أيام نفذت تلك المسؤولة الحكم فيها واتصلت بكل الشركات والمؤسسات في تلك البلاد لتنهيها عن القبول بها كعاملة، ثم نفثت سم كلماتها، فشهّرت بها بكل سوء وجعلتها إنسانة سيئة مريضة نفسياً في مجتمعها. ضرب الجوع والوحدة لتلك الإنسانة الفقيرة وصارت دموعها كالشلال أمام كل من صادفها حتى غلبها اليأس والجنون وغدت شبه إنسان تشحذ الفكة من المارة وتجمع النفايات لتسد جوعها.
هذا هو عالمنا وهذه صورة مؤلمة عن أناس ظالمين تربعوا على عرش النفوذ وحكموا البشر حسب مزاجهم ومنافعهم. وكم كانت الصورة قاسية وموجعة حينما يكون هؤلاء النافذون يرتدون ثوب السماء ويدّعون العفة والمحبة والأخلاق.
انقرضت الرحمة والإنسانية في مجتمعاتنا وأصبح الاستبداد بالإنسان الفقير من الأمور العادية وأصحاب النفوذ والمال يسيطرون على حباة الفرد وأسرته فيهددون عمله "مصدر رزقه " ويحطمون أحلامه وسعادته لأجل أهدافهم ومبتغاهم. وأكثر ما يصدمك حينما تكون تلك الأساليب صادرة عن مؤسسات دينية واجبها وهدفها الرحمة والمحبة والتقوى والإيمان، فتكون الدهشة كبيرة لأنك تعتبرهم المثال الأعلى للقيم والأخلاق، فترى منهم الظالم والمستبد والديكتاتوري والحاقد وتنقلب وجوههم من صورة الملاك في أعماقك إلى صورة الشيطان والجزار.
هذا هو حال مجتمعنا وهذه صورة مؤلمة عن أناس ظالمين تربعوا على عرش النفوذ وحكموا البشر حسب مزاجهم ومنافعهم. وكم تكون الصورة قاسية وموجعة حينما يكون هؤلاء النافذون يرتدون ثوب السماء ويدعون العفة والمحبة والأخلاق.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم