الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

على وَقْعِ قَرعِ الطّبول أَمْ على لَحنِ أناشيدِ القيامة؟!

المصدر: النهار - جيزيل أبي خليل الحاج
ويُسَيِّرونَ حياتَنا على وَقعِ قَرعِ الطّبول.
ويُسَيِّرونَ حياتَنا على وَقعِ قَرعِ الطّبول.
A+ A-
ويُسَيِّرونَ حياتَنا على وَقعِ قَرعِ الطّبول.
ومَن قالَ إنّها عبارة تُستَعمل لإعلانِ الحربِ فقط؟
بالحديثِ عن قَرعِ الطّبول تخيّلوا ما يحصلُ لَكُم جسداً وروحاً عندما يقرَعُ الطّبلُ بِقُربِكم. هذا بالتّحديد ما يَفعلونَهُ بنا. يُريدونَنا أنْ نَبقى متأهّبين و"على أعصابنا". يَخلُقون جوّاً ملائماً لِيَشُدّوا الانتِباه فيبقى الشّعبُ مُجيّشاً لِيَسير خَلفَهم من دونَ أن يأخذَ وَقتَهُ للتّفكيرِ والاختِيار بِحِكمَةٍ وَرَوِيَّة وحُرّيّة. يَتَحَكَّمون حتّى بالأدرنالين كي يبقى العَصَبُ مَشدوداً ومأسوراً فَيَسهل أَخذه ... على وَقعِ قَرعِ طُبولِهم.
وأقولُ في نَفسي: يا لَيتَهم كَتِلكَ الفِرَقِ التي تَعزِفُ الأناشيدَ على وَقعِ قرعِ الطّبول فَتَزرَعُ الأمَلَ والفَرَح وتَجذبُ الناسَ للاتّحادِ والتّضامُن بِجَوٍّ مِنَ الاحتِفال بأُلفَةٍ ومَحَبّة!
لَكنّ واقِعَ وَوَقْعَ طُبولِ هؤلاء بعيدٌ كُلَّ البُعدِ عَن هذهِ الرّوح المَرجوَّة. يُطِلّون مِن على المنابرِ المُختَلِفة وعَبرَ الشّاشاتِ والإذاعاتِ وشَبَكاتِ التّواصُلِ الاجتماعيّ، يَختَرِقونَ البيوتَ والآذانَ دونما استِئذان فتَتَجهَّمُ الوجوه، وتَتَحرّكُ الأحقاد، وتَسودُ التّفرِقة، ويحلُّ القلقُ والحُزنُ، ويَندَثِرُ الأَمَل. بَينَ شُروقِ الشّمسِ ومَغيبِها، وبَينَ المَغيبِ وساعاتِ اللّيلِ المُتأخِّرَة، لا يَكلّون ولا يَتعَبون، وعلى الطّبول يَقرَعون ويُلهِبونَ وَجَعَ الناسِ ويُفاقِمونَ ضيقاتِهم.
وأيُّ قَرعِ طُبول؟! وما الذي يُعلِنُونَه؟! هُنا كلُّ الحِكاية.
قَرَعوا طُبولَ الإِفقار فَجاعَ الشّعبُ وفَرغَت جيوبُه. قَرَعوا طُبولَ الإِنكار فَتَفاقَمَتِ الأَزَماتُ وغابَتِ الحُلول.
قَرَعوا طُبولَ التّفرِقَة وزمّروا للطائفيّة فغابَتِ الوحدَة والرّوحُ الوَطَنيّة.
قَرَعوا طُبولَ الشّعاراتِ الرنّانة دِفاعاً عَن سُلطَةٍ قَوِيَّة ومُصْلِحَة فَضَعُفَتِ السُّلطَة وغابَ الإصلاح.
قَرَعوا طبولَ القضايا الإقليميَّة والدّوليَّة فَتَعَدَّدَتِ الأَوْلَوِيّات والانتِماءات وغابَتِ القَضيّةُ الوَطَنِيَّة.
قَرَعوا طُبولَ التّسوِيات والمُساوَمات فَتهدّدَت الهويَّة وتَزَعزَعَ الكَيان.
قَرَعوا طُبولَ الاستِقالَة والتَنَحّي والمُقاطَعَة والاعتِكاف والتعطيل فانْقَطَعَ البَلدُ عَن مُقَوّماتِ عَيْشِهِ وتعطّل عمل إداراتِه وسادَ الفراغ.
قَرَعوا طُبولَ الموتِ ورَفَعوا راياتِ الجَحيم فَتَغَرّبَ الناسُ عَن ذاتِهِم وَعَن وَطَنِهِم وتَفَجّرَت مدينَتُهم وتَطايَرَت حياتُهُم وأحلامُهُم أَشْلاء.
هَذهِ لَمحَةٌ عَن إِنجازاتِهم، على وَقعِ قَرعِ الطّبول، فإلى متى الرُّضوخ؟! إلى متى السُّكوت؟! ماذا نَنتَظِرُ بَعد؟!
أَلَم نَتعَب مِن تَكرارِ الأَسئِلَة التي نَعرِفُ إجابَتَها؟! كلّ يوم نَسألُ ذاتَنا:" ماذا بَعدَ كُلِّ هدنَة وماذا بَعدَ كُلِّ تَصعيد"؟! وَنَحنُ نَعرِفُ الجَواب فَلُعبَتُهُم باتَت مَكشوفَة. هُمْ يَعلَمون ونَحنُ نَعلَم!
نَعلَمُ أَنّ وراءَ كلِّ هدنَةٍ وَوَراءَ كلِّ تَصعيد طَبْخَةٌ جديدَة، مُساوَمَة، مُؤامَرَة، لُعبَة، تَمثيلِيَّة يَلعَبونَ فيها دَوْرَ البُطولَة ويُصَدّقونَ أَنَّهُم أَبطال وَلَدَيْهِم إِنْجازات.
وبِما أنّ اللَّعب "على المَكشوف" مِن حَقّنا أَنْ نَسأَل: "مَتى تَتَوقّفون؟! إلى أيِّ قَعرٍ تُريدونَ أَنْ نَنْزِلَ بَعد؟! ما هُوَ ثَمَنُ المُساوَمة الذي نَدفَعُهُ مِنْ أَرواحِنا وَمِن مُستَقْبَلِ أولادِنا وبلادِنا؟!" بِعتُمْ حياتَنا واشتَرَيتُم سُلطَتَكُم بِطَبَقٍ مِنَ العَدَس. بِئْساً!
حَوَّلتُم أَرضَ الخَيرِ والكَرَم والضّيافَة إلى مَنفىً مَعزول. جَعَلْتُم مِن وَطَنِ العُنفُوانِ مَغارَةَ لصوص. تَشحَذون باسمِنا المُساعَداتِ لِلْمَأكَلِ والمَشرَبِ والمَلْبَسِ والمَسْكَنِ ولِلعِلْمِ والدّواء. أَيْنَ خَيْراتُنا وَثَرواتُنا المَنهوبَة والمُهرَّبَة؟! لَسْنا شَعباً شَحّاذاً! وَلَمْ نَعتَدْ أَنْ نَنتَظِرَ الإِحسانَ لِنَشْبَع بل اعتَدْنا أَنْ نَعمَلَ ليلَ نهار كَيْما بِعَرَقِ جَبينِنا نَأكُل خُبزَنا. أَفرَغتُم جُيوبَنا مِنَ المال وَمَعجِنَنا مِنَ الطّحين وخَوابينا مِنَ الزَّيْت ومعاصِرَنا مِنَ النَّبيذ. أَقْلَقْتُم راحةَ العائِلات وَمَنَعتُم الأطفالَ مِنَ اللّعِب. هَدَّدْتُم مَصيرَهُم وأحلامَهُم وطُموحاتِهم. الْوَيلُ لَكُم!
على الرّغم مِن ذلك أَقولُ إنَّ الأَزمَة لَيْسَت أَزمَةَ مالٍ وَرَغيف.
ألأزمَةُ الجوهريّةُ هِيَ أزمَةُ روحٍ وَطَنيّة وانتِماءٍ لِلْوَطَن. إِنَّها أزمَةُ هُوِيَّةٍ لبنانيّة وقِيَمٍ إِنسانِيَّة وَوَطنيَّة. أَزمَةُ مَشروعٍ ورُؤيَة وخُطَّة عَمَل وخارِطَة طَريق. ألأزمَةُ الجوهَرِيَّة هِيَ أزمَةُ رِجالِ دَوْلَةٍ يُجيدونَ فَنّ القِيادَة حُبّاً بالوَطَن لا حُبَّ السُّلطَة طَمَعاً بالوَطَن وبِالكُرسِيّ واللّقَب ومنتَفَعاتِه.
الأَزمَةُ الجَوْهَرِيَّة هِيَ أَزمَةُ كَلِمَة فاعِلَة وفَعّالَة. واليَوم، بِقُوَّةِ هَذِهِ الكَلِمَة التي بها نُؤمن، نَقولُ لَكُمْ "كَفى"!.
حاوَلْتُم أَمْ لَمْ تُحاوِلوا، سَمَحوا لكُم أَو "ما خَلّوكُن"، كَفى! بِعتُم واشْتَرَيْتُم في أَرزاقِنا وأعناقِنا، اسْتَهَنْتُم بِقيمَتِنا وقِيَمِنا وفرَّطتُم بِحُقوقِنا. تَبيعونَنا الأَوهامَ والوعود، اكْتَفَيْنا فَكُفّوا!
سَئِمْنا قَرعَ طُبولِكُم! وبَعدَ البَحثِ والتّدقيق، إنّها طُبولُ الحَرب. طُبولٌ تَقتُلُ الثّقَة وتَزرَعُ القَلَقَ والخَوف، طبولٌ تُنْذِرُ بِخَرابِ الحياة، تَجرَحُ وتَقتُل، تُذِلُّ وتُفقِر، تُشرِّدُ وتُهَجِّر، تُهَدِّدُ الأمْنَ والأمان، تُخَلخِل المؤسّسات، تهزُّ الكَيانَ وتَتلاعَبُ بالمصيرِ وبِمُستَقبَل الإنسان ولُبنان. وما الحَربُ أكثر مِن كلِّ ذلك؟!
كَرامَتُنا الأصيلةُ فينا تَصرُخُ "كفى". كفى تَتَصارَعونَ عَلى الوَطَن ولَيسَ مِن أَجلِه.
وأَنتُم يا أيُّها اللبنانيون التّابعون وغير المحرّرين بَعد، ألا اسْتَفيقوا وتَيَقّظوا: "ماذا يُفيدُكُم لَو رَبِحتُم الزّعيم وخَسِرْتُم الوَطَن؟ّ"
ليسَ الزّعيمُ مِحوَرَ الاهتِمام بَل لبنان هُوَ المِحوَر والأَساس!
إِنْ زالَ لبنان، زالَ الإنسان. إنْ زالَ لبنان، زالَت الحَضارة. إنْ زال لبنان فأيّةُ أحلامٍ وأيُّ مُستَقبَل؟
لبنان هُوَ المِحوَرُ والأساس فَلنَسْتَمِرّ بالدّفاعِ عَنهُ والعَمَل مِن أَجلِهِ إلى أَنْ يَنهَضَ ويَستَعيدَ عافِيَتَهُ وإِشراقَه.
• لبنان هُوَ المِحوَرُ والأساس، فَلنَحسُم أَمرَنا إنْ كُنّا سَنَستَمِرُّ على وَقعِ قَرعِ الطّبول أمْ أنّنا سَنَسيرُ قُدُماً على لَحنِ أناشيد القِيامَة.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم