فقط لا غير

"لعلّ من مرّ بهذه الأوقات سيفهم أكثر معنى هذه الكلمات، ومن عايش تلك الظّروف ستتراءى الصّورة أوضح بالنّسبة إليه".
ساعات معدودة أشبه بساعات حاسمة، تُخطف فيها أنفاسُك؛ تكادُ حنجرتك تجفّ من لوعة موقف يجعلك رهينة إشارة واحدة، سجين كلمة واحدة. يتصبّب العرق وأنت تنتظر فيها نتيجة تفوّق وقع نتائج الامتحانات الرّسميّة! نتيجة تكاد تضعك على محكّ الانعزال أو حتّى أيضًا على وقع تأنيب الضّمير. ساعاتٌ تعود فيها إلى الوراء، لتذكّر من رأيت ومن صادَفْتَ، مع من جلسْتَ وأين، من لامستَ وماذا؟! صورٌ ووجوه، مشاهد ولقطات، ولكن ما نفعُ ذلكَ حين تأتي النّتيجة إيجابيّة!
نعم... هكذا، وبكلّ بساطة، حُكِمَ عليكَ!
في السّاعاتِ الأولى تسودُّ الدّنيا أمامكَ، تُفكِّرُ في من هم حولَك؛ يضخُّ ضميركُ على ذهنك، بكلّ ما أوتي له من قوّة، وجوهاً أقرب من ذاتك إليك، وجوه أشخاص أنتَ خائفٌ عليها، خائف من أن يُصيبها مكروه بسببك، مرعوبٌ عليها، ناسيًا نفسكَ، ناسيًا أنّك أُصِبْتَ، والله أعلم كيف سيُحارِبُ جسمُك! هل سيكون قادِرًا على المُحاربة نفسيًّا، وجسديًّا، ومعنويًّا!
وإذ ببركان الذّكريات ينفجر كلما ضعف جسدك أكثر، بعد أن تكون قد قاومتَ وقاومت. تتذكّر من يُعانِقُ قلبُك قلبَهم، مَن تجري محبّتُهم في شرايينك، من تمضي مُعظم أوقاتك معهم. تعود إليكَ تلك الأوقات الجميلة، وتلك اللّحظات الأخيرة. تسترجع المواقف والكلمات، وكأنّك تُجري لنفسك الجردة الأخيرة، حتّى أنّك تشتاق فجأة إلى من رحلوا عنك، تشتاقُ إلى أن تضمّهم بحرارة بين ذراعيك، تشتاق إلى دفء حنانهم...
بينما، وفي الجهة الأخرى من حائط غرفتك، أناسٌ يتخبّطون لأجلك أيضًا، أناسٌ يقتلهم القلق، ويطعن صدرهم الخوفُ. خائفون عليك كما أنت خائف عليهم؛ قلقون عليك كما أنتَ قلق عليهم؛ تدمع أعينهم بمجرّد أن يسمعوا صوتك... لا يعرفون إن كنت تقول لهم الحقيقة، لا يعرفون إن كنت تتألَّم أكثر ممّا تُصارِحهم به، يتخبّطون بينهم وبين أفكارِهم، لا يعرفون ما يُمكن أن تكون عليه فِعلًا. يسترجعون بدورهم تلك اللّحظات الأخيرة، يُريدونك حيًّا مهما كلّف الأمر، يريدونك بالقرب منهم كما أنتَ، ولكن بصّحة جيّدة! يخطّطون لمشاريع تفرحك، وتعوّض عليك ما مرَرْت به، إلّا أنّهم يتألَّمون، يتأوّهون، ينوحون، ويصلّون لأجلك، يقدّمون النّذورات لأجلك وحدك!
وإذا بِك، وبعد أيّام، وإن كانت معدودة، إلّا أنّها لم تكن تعرف أن تنتهي، تعود إلى تلك اللّحظة الأولى، لتنتظر النّتيجة مجدّدًا، تريد أن تكون نتيجتك سلبيّة، لسبب واحدٍ فقط،
نتيجة سلبيّة مقابل معانقتهم وتقبيلهم فقط،
فقط لا غير...