الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

الاقتصاد اللبناني بين السياستين المالية النقدية

المصدر: النهار - د. خلدون عبد الصمد
تتركز مهام ومسؤوليات وزارة المالية على تخديد وتنمية السياسة المالية للبلاد
تتركز مهام ومسؤوليات وزارة المالية على تخديد وتنمية السياسة المالية للبلاد
A+ A-
مما لا شك فيه أن استقلالية الإدارات العامة هو من أهم عناصر نجاح عملها وانتظامها، إلا أن هناك بعضاً من الإدارات تتداخل فيها المسؤوليات فيصبح من الصعب معرفة واجبات هذه من تلك، ولعل خير مثال على ذلك وزارة المال والمصرف المركزي، فهما المؤسستان الرئيسيتان اللتان تديران الشأن المالي والنقدي في البلاد ولكل منهما وظائف محددة متداخلة ومنفصلة في أن معاً بهدف تحديد الاقتصاد العام للوطن.
وبالدخول إلى مسؤوليات كل منهما نجد أنه وفق القوانين اللبنانية وخاصة قانون النقد والتسليف الذي حدد مهام المصرف المركزي، غير كونه بنك البنوك وصاحب القرار في إصدار العملة الوطنية وحمايتها، يحافظ على سلامة النقد والاستقرار والمحافظة على سلامة أوضاع النظام المصرفي كما وتطوير السوق النقدية والمالية وتنظيم عمليات التحاويل النقدية بما فيها التحاويل الإلكترونية وعمليات المقاصة والتسوية بما فيها الأسهم والسندات التجارية وغيرها من السندات القابلة للتداول.
وتتركز مهام ومسؤوليات وزارة المالية على تخديد وتنمية السياسة المالية للبلاد بما فيها سياسة الإنفاق الحكومي وتحصيل الضرائب أي حجم الاقتطاع الضريبي من الاقتصاد، وحجم الإنفاق الحكومي وتخصيصه على أوجه إنفاق معينة، وهي المسؤولية الأساسية التي تقع على عاتق وزارة المالية، باعتبار أن وزارة المالية تضع مشروع الموازنة وتؤمن التوازن فيها، وإتخاذ تدابير من شأنها تقليص النفقات، أو زيادة الضرائب والرسوم بالأشكال المختلفة، وبالتأكيد بعد موافقة مجلس الوزراء والنواب، وتعود من بعد إقرارها صلاحيات وزارة المال لمتابعة تنفيذ الموازنة ومراقبتها. فوزارة المال هي عين الدولة في كافة المؤسسات الرسمية من مراقبة وتدقيق ومحاسبة. فوزارة المالية إذاً هي عصب الدولة المالي والنقدي من خلال صياغة وتنفيذ ومراقبة الإدارة السليمة للسياسة المالية والدين العام والنمو، فهي إذاً مركز تحديد وجهة الدولة الاقتصادية القادمة.
ومن خلال ما تقدم تكمن الأسئلة الإشكالية الأساسية، ما هي العلاقة بين المصرف المركزي ووزارة المال؟ وأين يكمن التقارب والتباعد بينهما؟ وهل هناك استقلالية لدى مصرف لبنان بعيدة عن وزارة المال؟
وفق القانون العام فإن مصرف لبنان شخص معنوي يتمتع بالاستقلالية المالية والإدارية حيث يجري عملياته وينظم حساباته وفقاً للقواعد التجارية والمصرفية وللعرف التجاري والمصرفي كما أنه لا يخضع لقواعد الإدارة وتسيير العمال والمراقبات التي تخضع لها مؤسسات القطاع العام ولا تطبق عليه أحكام قانون التجارة المتعلقة بالتسجيل في سجل التجارة وتعود لمحاكم بيروت فقط صلاحية النظر في جميع النزاعات بين المصرف والغير، عليه التعاون مع الحكومة وتقديم كل مشورة تتعلق بالسياسة المالية والاقتصادية بغية تأمين الانسجام الأوفر بين مهمتهّ وأهداف الحكومة فيقترح على الحكومة التدابير التي يرى أن من شأنها التأثير المفيد على ميزان المدفوعات وحركة الأسعار والمالية العامة وعلى النمو الاقتصادي بصورة عامة كما ويطلعها على الأمور التي يعتبرها مضرّة بالاقتصاد والنقد ويؤمّن علاقات الحكومة بالمؤسسات المالية الدولية، وفي المقابل تستشير الحكومة مصرف لبنان في القضايا المتعلقة بالنقد وتدعو حاكم مصرف لبنان إلى مذاكراتها حول هذه القضايا.
ومن هنا، يمكن ملاحظة مدى تقارب الصلاحيات وتداخلها، فصحيح أن التوجه الاقتصادي والمالي في لبنان تحدده الحكومة االلبنانية بناء على رؤية وزارة المالية للنواحي المالية للبلاد، إلا أن ارتباط ذلك بالسياسة النقدية التي يعالجها ويديرها المصرف المركزي بالكامل تجعل من المستحيل تباعد الخطين أو استقلاليتهما الكاملة عن بعضهما البعض، وخلال الازمة الحالية التي تمر بها البلاد، يمكن الجزم أن الحكومة اللبنانية ومسؤولي الوطن من سياسيين وحكام وزعماء من جهة ومصرف لبنان وحاكمه وسياساته والمصارف التجارية الخاضعة لتعاميمه وقراراته من جهة أخرى تتحمل المسؤولية الأساسية عن هذا الانهيار كما هم ذاتهم من ساعدوا على ازدهار لبنان الخدماتي والمصرفي في سنوات ما بعد الحرب.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم