الموت الرحيم أم القتل الرحيم؟

حياة الشخص هي قيمة في ذاتها، بغضّ النظر عمّا إذا كان هذا الشخص في صحّة جيّدة أم مصاباً بمرض أو بإعاقة، في بداية حياته أم في نهايتها. لا شكّ أنّنا نسمع يوميّاً من يقول: أريد أن أغتنم كلّ الفرص لأستفيد من هذه الحياة، أريد أن أعيش بسلام بعيداً عن المرض والألم. هذا التفكير مشروع شرط أن ندرك أنّ المرض والموت هما جزء من طبيعتنا البشريّة، وأنّهما لن يمنعانا من عيش حياتنا بملئها وإيجاد السبل المناسبة لنغرف منها أكانت طويلة أم قصيرة. للأسف نجد اليوم من يشجّع على ثقافة الموت بحجّة أنّ الإنسان عندما يفقد قدراته أو تزيد آلامه أو يصاب بمرض عضال، من الأفضل أن يوضع حدٌّ لحياته بطلب منه أو من أهله حفاظاً على كرامته.
ما هو القتل الرّحيم؟
o الفعل أو الإهمال الذي بطبيعته ونواياه يُسبّب الموت بقصد القضاء على كلّ ألم. إنّه مرفوض أدبيّاً كي لا تصبح حياة الضعيف بين يديّ القوي وتغيب الثقة.
o أهكذا يواجه المجتمع أمراض وآلام أفراده بإصدار القوانين التي تسمح بقتلهم بهدف إراحتهم؟ أهذه هي رسالته؟ هل يحقّ للفريق الطبّي أو لأحد أفراد العائلة أن يُنصّب نفسه قيّماً على حق لا يملكه؟ هل يحقّ للمريض، بطلبه إراديّاً الموت، أن يَضع الفريق الطبّي أو أحد أفراد عائلته في وضع المتعدي على الحياة؟
الموت بكرامة
o لا أحد يريد أن يتألّم الإنسان بسب مرض أو إعاقة. نعم للموت بكرامة شرط أن لا يكون من خلال قتل الشخص عمداً لإراحته.
o يحق لكلّ إنسان أن يرحل من هذه الحياة بكرامة. والكلّ مدعو لاحترام هذا الحق. ولكن عن أيّة كرامة نتكلّم؟ هل الكرامة التي تحدّدها مصطلحات اجتماعيّة؟ أم الكرامة التي يتّسم بها الإنسان كيانيّاً لأنّه إنسان مخلوق على صورة الله بمعزل عن مزاجيّة المجتمع والأشخاص وآرائهم المتعدّدة والمتناقضة.
o أإلى هذا الحدّ أصبح المجتمع عاجزاً عن الاهتمام بأفراده؟ أيعقل أن يَحضُن أفراده فقط عندما ينتجون وهم بصحّة جيّدة ويتخلّى عنهم عندما يضعفون في وقت الشدّة والمرض بحجّة أنّهم سيفقدون كرامتهم؟ لماذا لا يعمل المجتمع على تأمين ميتة هنيّة لأفراده مستعيناً بكلّ مقدّراته العلميّة والإنسانيّة والروحيّة؟
أهميّة المرافقة
o عندما يتمنّى المريض المتألّم الموت لا يعني بالضرورة أنّه يطلب قتله عمداً بل يطلق نداء استغاثة للوقوف إلى جانبه. المريض بحاجة إلى حضور أخيه في الإنسانيّة مع ما يحمله هذا الشريك من غنى عاطفي وطبّي وروحي يساهم في التخفيف من آلامه ومرافقته. المريض بحاجة إلى أنّ يشعر بأنّه ليس جسداً مفروزاً للموت بل كائناً حيّاً، وإن كان مشرفاً على الموت، يمكنه أن يعيش هذه المرحلة بسلام كي يموت ميتة هنيّة محاطاً بأحبائه وبمن هم بخدمته.
(يتبع)