السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

أعطني حريتي، ولكن أمسك يديَّ..

المصدر: النهار - هبة يوسف
بداية ورديّة
بداية ورديّة
A+ A-
بداية ورديّة:
فتاة من أسرة متوسطة الحال تعيش مع أمها، وأبيها، وأخويها التوأم. كانت بكر العائلة، ووحيدة لا أخوات بنات لديها، كانت جميلة قلباً وقالباً، مثقفة إلى حد ما، وبالنسبة لتحصيلها العلمي، فقد تخرجت من معهد بتقدير جيد. بدأت الحكاية عندما أحبها شاب بكل جوارحه وتعلق بها منذ الصغر، فقد كان جاراً لهم، وعدها بأحلام وردية، وأنها ستعيش ملكة على عرش قلبه المتيّم بها، لم تعترضهما عثرات كثيرة كغيرهما، فتقدم لخطبتها، وتزوجا بعد فترة قصيرة.
حبيسة الزواج:
بدأت الأحلام الوردية تتلاشى يوماً بعد يوم، وبدأ يظهر لها القليل من الحب والكثير من الغيرة، إلى درجة الشك الذي لا تستطيع أية امرأة التعايش معه، كان يحاسبها على أبسط خطأ، ويمنعها من زيارة أهلها وأقاربها وصديقاتها، لمجرد اختلافها معه بالرأي أو اعتراضها على أمر ما لا تريده، أو لا تحب أن تقوم به. كانت تشعر أنها مكرهة على فعل معظم الأشياء معه، بدأت تفقد ثقتها به وبأمانها الذي وعدها به، كانت تشعر أنه يتقصّد إيذاءها بالكلام أولاً، ثم بالفعل لاحقاً، لدرجة أنه أخذ يضربها، وكل ذلك كان يبرره بدافع الغيرة والحب، لأنه يغار عليها؛ يجب أن تبقى في المنزل ولا تغادره، لأنه يحبها؛ يحدد لها من يدخل إلى بيتها من الأهل والجيران،
حاولت أن تتقدم إلى وظيفة في الدولة، فمنعها، فما عليها إلا خدمته طوال الوقت ليس إلا، حملت بعد سنة من زواجهما، كبرالطفل في هذه الأجواء الصاخبة، وأخذ يأمر مثل والده، ويراقب أمه ؛ من يطرق الباب عليها من الجيران أو الأقارب، "الولد سر أبيه"، وكأن تلك المرأة لم تكفها معاملة زوجها لها حتى أخذ الولد على عاتقه محاسبة أمه، لتحاصرها الضغوطات من جميع الجهات.
لاحلول:
لم تترك وسيلة كي تعبر بزواجها إلى بر الأمان، فحاولت أن تسايره بشتى الطرق والوسائل، اتبعت معه كل السبل ولكن دون جدوى، كان عنيداً جداً متشبثاً برأيه، ولكن يوماً بعد يوم أخذت تشعر بالضيق والقهر، لا أحد يتحمل مزاجه وغيرته وأسلوب حياته، لجأت إلى أهله، ولكن دون فائدة، فاصطدمت بآخر الحلول معه وهو الطلاق، اقتنعت تماماً أنها لا تستطيع أن تعيش سجينة ورهن غيرة زوجها وشكه وتعنيفه، أما أهلها فرفضوا رفضاً قاطعاً بحجة أين ستسكن؟!، فأخواها سيتزوجان، ولن يبقى لها مكان في بيت العائلة، ومن أين لها بالمال حتى تعيش وتربي طفلها، واجهتها قساوة الحياة دفعة واحدة لمجرد أنها أرادت أن تكون حرة طليقة، فما كان منها إلا أن وضعت على الجرح ملحاً واستسلمت إلى ظرفها وقدرها.
بنتان وصبي:
وعلى الرغم من الحالة النفسية والمادية الصعبة التي كانت تعيشها مع زوجها، فقد كان يريد أن ينجب منها الكثير من الأطفال، ظناً منه أنه بذلك يرغمها على ما يريد ويسيطر عليها أكثر. وكان له ما أراد، وحملت مرة ثانية وثالثة دون رغبة منها. فلم تكن تتمنى أن تتقاسم المرارة مع أبنائها، ولكن القدر يعاكسها أيضا لترزق بطفلتين جميلتين، ومعهما كبرت المسؤوليات، وزوجها لم يغير معاملته معها، إضافة إلى العبء المادي مع زيادة عدد الأطفال، وكان هذا سبباً آخر لتزداد معاملته سوءاً، كان سوء حالته المادية الشماعة التي يعلق عليها مشاكله. كان يوسعها ضرباً وشتائم حتى وصلت إلى مرحلة لم تعد تتحمل منه شيئاً، فحزمت أمرها وقررت أن تضع حداً لكل مشاكلها، فتركت أطفالها الثلاثة، وكانت طفلتها الصّغيرة مازالت في شهورها الأولى، وقالت له لن أعود إليك بعد اليوم، ابقَ مع أطفالك وأنا سأعود إلى دار أهلي وأرجو منك في أقرب وقت أن تبعث لي ورقة طلاقي.
أسبوع واحد فقط:
بقي مع أطفاله مدة أسبوع دون أن يساعده أحد من أهله برعاية الأطفال. كاد أن يجن جنونه، كان هذا الأسبوع كافياً لتلقينه درساً لن ينساه، فأخذ يتوسل أهلها لتعود إليه وبالشروط التي تريدها. حاول مراراً وتكراراً حتى وافقت أخيراً، ولكن بشرط أن تعمل، وتعين نفسها وأطفالها، فوافق، ليساعدها الحظ أخيراً وتتقدم إلى وظيفة تم الإعلان عنها، فنجحت وتم تعيينها، وعادت إلى بيتها وأطفالها، والمذهل أنه غيّر معاملته معها، ربما تلك التجربة جعلته يعيد النظر في حياته ومعاملته لزوجته، وجعلته يفكر جدياً كيف يكسب حبها من جديد. لقد تحملت وعانت بما فيه الكفاية، ولكن أخيراً استطاعت أن تتحرر من قيود السجن التي كانت تعيشه، بالصبر والتفهم وحبها لعائلتها وزوجها وأطفالها. إنها الآن بأمان بعد معاناة كبيرة، تربي أطفالها وتساهم وتتحمل جزءاً لابأس به من مسؤولية المنزل المادية، فخففت ثقل العبء المادي على زوجها، والأهم أنها تصالحت مع نفسها ومع زوجها، وأصبحت قادرة على العطاء أكثر من ذي قبل، فالحب لن يستمر بالطاقة والتوهج ذاته إذا لم نرعَه ونهتم به كنبتة صغيرة حتى تنمو وتكبر وتزهر.

...

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم