الأربعاء - 17 نيسان 2024

إعلان

الاستقلال المزيف

المصدر: النهار - جوسلين مراد
الاستقلال المزيف
الاستقلال المزيف
A+ A-
من راسبوتين الداهية إلى نيرون الظالم
ومن حارق هيكل ديانا تحفة الفن إلى شياطين الأرض
ومن أهوال الحرب إلى العثمانيين والى خنق المطالبة بالاستقلال
والطاغية جمال باشا السفاح قائد الفيلق التركي الرابع
الذي علق المطالبين بالحرية على أعواد المشانق في ساحة الشهداء...
شهداء الاستقلال الذين ماتوا بين سمع الأرض وبصر السماء.
من ورثة الأجيال الماضية إلى آمال المستقبل الذهبية
ومن أبطال قلعة راشيا وحكومة بشامون،
انبثقت وثيقة الاستقلال كزهرة نقية بارعة الجمال
سلحتها والدتها بأشواك صغيرة ظنًّا منها أنها تحميها من أعدائها.
ولكن ما نفع الشوكة الصغيرة أمام مقص الظالم المغتصب الأثيم
الذي لا تهمه الا منافعه الشخصية الدنيئة،
فهو يشتري سعادته بشقاء الآخرين.
فنيرون كجميع طغاة التاريخ كان عظيماً ولكن في شروره
وحيداً ولكن في معاصيه، وفريداً ولكن في موبقاته.
فأين الاستقلال وعن أي استقلال نتكلم، ونحن نكافح
في بلد ليس فيه ماء ولا هواء ولا دواء ولا حتى كهرباء.
بأي استقلال نتغنى ونحيب أهالي المرفأ ما زال
يملأ سماء بيروت القاتمة بكآبتها.
أي استقلال نتذكر وذاكرتنا مثقلة بالأحزان المتتالية
على وطن يعيش الذل والمهانة.
أنتذكر طوابير السيارات أمام محطات المحروقات
أم قوافل الشعب في انتظار ربطة الخبز؟
أم نتذكر الاغتيالات المتكررة؟
لأي استقلال نصفق وعن أي كرامة وأي سيادة
نرفع لهما رؤوسنا؟. أنصفق للباطل ونجعل من أنفسنا
أضحوكة سخرية للأجيال القادمة؟
كخرقة من نسيج تصفق في مهب الريح.
فأين كرامة الفقير الذي يتعذر عليه دخول المستشفى
وأين أدنى حقوق الإنسان الكريمة في بلادنا؟
لأي استقلال نعيّد اليوم والفاسدون المفسدون يملأون كافة
القطاعات الحيوية والمؤسسات في البلاد.
بأي استقلال نفاخر وشبابنا وأدمغتنا هاجرت لأنها لم تجد
فرصة عمل لائقة في بلادها. وإن فاخرنا فلنفاخر بالماضي الفذ
عندما مخر الفينيقيون البحار الواسعة وصنعوا من أخشاب أشجار لبنان العطرة الهدايا والسفن والتحف الثمينة ومنحوا العالم
معرفة الحرف ومعنى الطموح!
بأي استقلال نحتفل وقد تخدرت أيادينا من التصفيق وبُحت حناجرنا من الهتاف.
ويحهم!.. لقد جعلوا من ذكرى استقلالك يا وطني ذكرى شماتة!
إنها ذكرى عيد الاستقلال فيا خيبتنا!
بأي استقلال نبتهج؟ أنبتهج بحرية شعب مقموع مساق كالقطعان؟
بأي استقلال نمجد وعملة البلاد أصبحت بلا قيمة وغلاء السلع
يزداد كل يوم، وراتب الموظفين لا يكفي لسد فاتورة الكهرباء.
لقد جعلوا من ذكرى استقلالك يا وطني مهزلة عندما
أسكتوا صوت الحق واغتالوا الحريات وقتلوا أحلام الشباب.
حكام الأمس سجلوا وثيقة الاستقلال بدمائهم
وفاسدو اليوم محوها بآثامهم، فلأي استقلال نهتف؟
حكام الأمس كانوا أبطالاً لأنهم عرفوا أن الحرية أفضل ما في الحياة
وعرفوا أن الاستقلال هو تاج الوطن،
رمز بطولة رفعته الأرض في وجه السماء.



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم