الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

مثَّلنا ذكرياتنا في فيلم الحياة

المصدر: النهار - بسكال لوقا
عندما نكبر، نقف موقف المتفرّج لذكريات كنّا أبطالها في فيلم الحياة، متمنّين لو نعيد الزّمن إلى الوراء
عندما نكبر، نقف موقف المتفرّج لذكريات كنّا أبطالها في فيلم الحياة، متمنّين لو نعيد الزّمن إلى الوراء
A+ A-
عندما نكبر، نقف موقف المتفرّج لذكريات كنّا أبطالها في فيلم الحياة، متمنّين لو نعيد الزّمن إلى الوراء، متناسين أن الزّمن ثابت بينما نحن من يتقدّم، ونحن من يغيّر في المكان والزّمان.
لو فكّرنا قليلاً لوجدنا أن الذكريات تبقى ثابتة في المكان والزمان. إن لم نحرّكها ونزيّنها بالكلام لا تحيا، بينما نحن نتقدّم نحو النهاية ولا شي يوقفنا. نرحل نحن، وتبقى هي منحوتة في زوايا الطرقات، على أحجار الجدران، تحتفظ برنّة ضحكاتنا، وبقرقعة أحذيتنا، وبصراخ نداءاتنا، وبضجيج قصصنا الغراميّة السعيدة والتعيسة منها؛ هي راسخة تردّدها أصداء ذاكرتنا إلى أن ينسدل الستار مع رحيلنا وينتهي الفيلم.
ذكرياتنا تبقى تنظر، وتتآخى مع ذكريات أخرى يخطّها غيرنا، لتأخذ مكاناً ما في زمن ما... زمن لا يعرف زمننا، والمكان تغيّر، ولكن الذكريات لا تتغيّر. هي ثابتة، وكلّ منها لها اسمه وسحره وشجنه، حيث تحيك قصص ناسٍ مرّوا على المكان، وصنعوا الزّمان. نفس المكان فيه ذكرياتي وذكريات غيري بأزمنة مختلفة، ينسبها كلّ منا إلى المكان، فيختلف السرد باختلاف الأشخاص الذين مرّوا في المكان، بينما المكان يحتفظ بهم كلّهم بوفاء صامت...
الذكرى تأخذ ألواناً وأشكالاً بحسب راويها! كلٌّ منّا يصبغها بمخيّلته؛ فهناك من يستفيض، وهناك من ينقّص حسب حضوره في اللحظة المناسبة لوقوع الذكرى... نراها تارة مضحكة، وتارة مبكية، وتارة ثمّة ذكرى، ولكن الأساس هو وقوع الحدث في الذاكرة لتُصبح ذكرى متغيّرة مع الزّمن...
هي ليست بالضرورة كلّها جميلة، ولكنّنا نتعلّق بها كأنّها صمّام أمان لنا، يُعيدنا لأيّام الشباب، لنتناسى ركض السنين، خاصّة حين نراها بعيدة عنّا كثيراً، لأنّنا تركناها وراءنا، وتخطّيناها لذكرى أجدد وأحدث, لكنّنا أبداً نريد أن نروي القديمة، ونتعلّق بها، متمنّين عودتها، وذلك خوفاً من العمر الذي يُداهمنا بسرعة، ولا نريد الاعتراف بأنّنا على حافة نهاية الطّريق.
صغاراً كنّا نرغب في الركض خلف السنين، لنُصبح كباراً، نراها بطيئة، والآن نستجدي السنين بالتمهّل، نراها سريعة تركض خلفنا...
لو كانت السنين تباع لكنّا غضضنا النظر عن شراء آخرها، وجعلنا بيّاع العمر يضلّ الطّريق، ونسمح للزمن أن يسبقنا وينسانا وراءه... كما قالت فيروز في أغنيتها: تعا تنتخبّى من درب الأعمار،
إذا هنّي كبروا نحنا بقينا صغار
وان سألونا وين كنتوا؟ ليش ما كبرتوا انتوا؟
منقلّن نسينا...
واللي نادى الناس ليكبروا الناس راح ونسي ينادينا...".


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم