الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

تداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي

المصدر: النهار - آلان عبد القادر ــــ سوريا
سبب فيروس كورونا حالةً من الهلع والخوف والارتباك لدى معظم دول العالم
سبب فيروس كورونا حالةً من الهلع والخوف والارتباك لدى معظم دول العالم
A+ A-
سبب فيروس كورونا حالةً من الهلع والخوف والارتباك لدى معظم دول العالم، إذ قامت حكومات الدول الواحدة تلو الأخرى ومنذ الأسابيع الأولى من انتشار هذا الفيروس بغلق مرافقها الاقتصادية والإنتاجية درءاً لهذا الوباء، حيث نجم عن ذلك الإغلاق تداعيات سلبية اقتصادياً.
فمنذ أواخر العام 2019 يعمل الاقتصاد العالمي في ظل حالة من عدم اليقين، حيث حمل انتشار هذا الفيروس نوعاً جديداً من التحديات للاقتصاد وهو تحدي مواجهة أزمة صحية وهي أزمة جائحة كورونا التي تختلف في طبيعتها عن الأزمات السابقة التي واجهها الاقتصاد العالمي من حيث شدة الأثر وسرعة انتقال العدوى وعدم القدرة من الحد من انتشارها، حيث تأثر الاقتصاد العالمي بشكل كبير بصورة أكبر من الأزمة المالية العالمية عام 2008. إن مواجهة تفشي جائحة كورونا يمثل أحد التحديات الفريدة للاقتصاد وذلك لأنه من الصعب تحديد الأثر الناجم عنها بسبب اختلاف البقعة المنتشرة فيها في كافة أرجاء العالم والفترة الزمنية التي لا يمكن التنبؤ بها، إذ أنها واسعة الانتشار وتهدد ليس فقط منطقة جغرافية محدودة ولكن العالم بأكمله، كما أنه إذا ما انتشرت في منطقة معينة فانه ستؤدي إلى انتشارها في كافة المناطق الأخرى وسيكون هناك صعوبة في تجنبها وبالتالي ستحدث شللاً تاماً في جميع المرافق، وبالتالي ستؤثر على معدل النمو في الناتج المحلي ومعدل التضخم ومعدل البطالة.
كانت تتم مواجهة الأزمات الاقتصادية السابقة بالطرق الكلاسيكية، أي عبر ضخ أموال في الاقتصاد والمشروعات وخفض الفوائد ومنح الحوافز، أما الآن فغير معروف بالتأكيد موعد انتهاء هذا الفيروس نظراً لاحتمال حصول موجة ثانية أو ثالثة، وطالما أنه لا يوجد لقاح أو دواء متفق عليه، ستتغير تصرفات الأفراد بالنسبة لطريقة العمل والعيش والإقدام على المخاطرة والاستثمار والتوظيف والاختلاط مع الآخرين، ما سيؤثر على شكل الاقتصاد بعد الجائحة بشكل دائم، ونظراً لعدم قدرة العالم على تحديد موعد نهاية هذا الفيروس، ستكون الأزمة على الأرجح طويلة، وسيصبح كل من المستهلك والمستثمر أكثر حذراً وترقباً لاحتمال حصول موجة أخرى، وبما أن العجلة الاقتصادية تتأثر أيضاً بالناحية المعنوية والنفسية، فإن الحجر الصحي الطويل والخسائر الكبيرة، سواء أكانت مادية أو في الأرواح، والخوف من المستقبل، وفقدان الوظائف، وفقدان المقربين، سيجعل المستهلكين والمستثمرين يترددون كثيراً في المخاطرة ومعاودة النشاط العادي، ما سيؤجل عودة النمو الطبيعي وتحريك العجلة الاقتصادية.
في الأمد القصير، فإنه يرجح أن تكون اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية الأشد تضرراً اقتصادياً، وهي التي تعاني في الأساس من ضعف أنظمتها الصحية ومن مواطن ضعف مالية، إذ أن اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية ستشهد ارتفاع مستويات ديونها عما كانت عليه قبل الأزمة المالية العالمية، وهو ما سيجعلها أكثر عرضةً للضغوط المالية، كذلك فإن الدول التي تعتمد اعتماداً كبيراً على التجارة أو السياحة أو تحويلات المغتربين من الخارج أو على صادرات السلع الأولية ستتضرر اقتصادياً، كما أن الدول المصدرة للنفط ستكون متضررة أيضاً، إذ أن هذه الدول ستخسر أكثر من 1% من نموها. إن من أكثر القطاعات تضرراً بسبب جائحة كورونا هو قطاع الخدمات مثل السياحة والمطاعم إلى جانب المصانع الصغرى وسوق النقل والسيارات، وقد أدى انخفاض أسعار الأصول وضعف الطلب الكلي وتزايد أزمة الديون وتفاقم فجوة توزيع الدخل إلى فقدان ثقة المستهلك والمستثمر والتي تعتبر من أكثر النتائج المباشرة لانتشار الفيروس وبالتالي الدخول في دوامة من التراجع، هذا إلى جانب انهيار سعر النفط الذي أصبح العامل المساهم للشعور بالقلق ولهذا السبب فقد أصبح من الصعب التنبؤ بحركة الأسواق وهو الأمر الذي جعل من الوضع العالمي أكثر سوءاً ومنذراً بموجة من الركود الشديد.
وعلى الرغم من اكتساب العالم خبرة في مواجهة فيروس كورونا المستجد فإن تفشي موجة ثانية قد يكون بمثابة انهيار سريع للتماسك الذي أبداه الاقتصاد العالمي إلى حد ما مؤخراً، ويعطل عملية التعافي بعد تكبد خسائر بتريليونات الدولارات، إذ إن الاقتصاد العالمي قد لا يتحمل موجة ثانية لتفشي كورونا، إذ أن هناك توافقاً دولياً على عدم تكرار سيناريو الإغلاق الكامل إلا أنه قد يكون مطروحاً حسب قوة الموجة، إذ أن وجود عقار فعال هو الأمل الوحيد لاستمرار وتيرة تعافي الاقتصاد العالمي وتعويض الخسائر التي تكبدها بسبب هذه الجائحة، ومما لا شك فيه أن كل هذه الأرقام السلبية تعقد الأمور أكثر وأكثر لدول العالم وحكوماتها التي باتت في حيرة، إذ إنها تعمل جاهدة لفتح الأعمال وتحريك العجلة الاقتصادية للحد من آثار الأزمة، كما أنها في الوقت نفسه قلقة ومتخوفة من موجة ثانية وثالثة قد تكون أقوى وأقسى من الأولى، إذ أنه من المفترض أن تستمر سياسات البنوك المركزية للإنقاذ إذا لزم الأمر، والشيء الوحيد الذي من المتوقع أن يظل داعماً للاقتصاد هو السياسة النقدية.
وفي الختام فإن الاعتقاد في سلامة الأسس الاقتصادية والاقتصاد العالمي الذي يصحح نفسه، أمران يعرقلان التفكير السياسي في الاقتصادات المتقدمة، وهذا الاعتقاد سيؤدي إلى إعاقة التدخلات السياسية الأكثر جرأة، واللازمة لمنع تهديد أزمة أكثر خطورة، ويزيد من فرص أن تتسبب الصدمات المتكررة بسبب جائحة كورونا في أضرار اقتصادية خطيرة في المستقبل القريب.
ومن أجل تدارك هذه المخاوف، فان يجب على الحكومات أن تتفق في هذه المرحلة للحيلولة دون وقوع انهيار اقتصادي قد يحدث أضراراً كارثية أكبر من تلك الأضرار المتوقع حدوثها.














حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم