الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

أَتَعَلُّمٌ عن بُعدٍ، أم بُعدٌ عَنِ التَّعَلُّم؟!

المصدر: النهار - مطانيوس قيصر ناعسي
أَتَعَلُّمٌ عن بُعدٍ، أم بُعدٌ عَنِ التَّعَلُّم؟!
أَتَعَلُّمٌ عن بُعدٍ، أم بُعدٌ عَنِ التَّعَلُّم؟!
A+ A-
عيناي تفقّأتا من كثرة الحملقة في تلك الأشكال!
أشكال وأشكال!
أحبّ الأَشكال ولكن...
فئران وأرانب وألسنة ممدودة ودببة ومتحوّلون ورسوم غير مُحرّكة وأسماء وحروف، وفي أحسن الأحوال صورٌ شخصيّةٌ جامدةٌ، أصحابها خلفها، وربّما في أمكنة أخرى!
تفقّأت عيناي وأنا أحملق. هذا شخص جديد؟ هذا؟ أو هذه؟ يا إلهي، لست أدري!
يراني الجميع ولا أرى البعض إلّا نادرًا! أصلًا لست متأكّدًا من أنّ أحدًا يراني!
ربّما هناك مجموعة تتفرّج عليّ، وتستمع إليّ وتضحك، أو تعبس، أو تتذمّر، أو تتأمّر، أو تتندّر، أو تتنمّر، وليس صاحب الصّورة المُختبئ خلف هذه الأخيرة فقط!
أيسمعني من أكلّمه، أم لا؟ لست أدري!
أيختبئ بالفعل خلف الصّورة، أم في مكان آخر؟ لست أدري!
هل أنا صندوق فرجة، الكلّ يتفرّجون عليّ، وأنا يا غافل لك الله؟
نعم أنا صندوق فرجة!
أتعجبهم هذه الفرجة؟ أعود وأقول: لست أدري!
أنثر المعلومات، أهباء تذهب؟
أبحّ صوتي، أسُدًى أفعل؟
أُفَقِّئُ عينيّ، أَمِنْ داعٍ؟
أشحذ ذهني، أستنفر أُذْنِي، هل ينفع؟
لست أدري! لست أدري!
يكفي، يكفي، فَلْأَعُدْ إلى الموضوعيّة، عذرًا، توغّلت في الذّاتيّة!
ما أدريه جيِّدًا، هو أنَّ التّعلّم عن بُعد، لكي ينجح، يجب أن يكون على الشّكل الآتي:
- أن يستيقظ الطّالب باكرًا وكأنّه ذاهب بالفعل إلى المدرسة، وأن يخوض اليوم المدرسيّ بكلّ تفاصيله الشّكليّة والمعنويّة على هذا الأساس.
- أن يجلس إلى طاولته، أمام جهازه، ويفتح "كاميرته"، ويقفل مذياعه، قبل بدء المُعَلِّم الحصّة.
- أن يجيب بالصّوت والصّورة عندما يطلب المُعَلِّم إليه ذلك، وليس بالصّوت فقط.
- أن يكون المُعَلِّم قادرًا على رؤية الطّلّاب جميعهم وكأنّهم يجلسون أمامه في الصّفّ.
- أن يخلق المُعَلِّم المُحفّزات المطلوبة، من علامات وتشجيعات وتقديرات في محلّها، وغير ذلك من الوسائل الّتي تدفع إلى التّفاعل.
- أن تدعم الوزارة والإدارة كما الأهالي والطّلّاب المُعَلِّمين إلى أبعد الحدود، وبكلّ الوسائل الممكنة.
فَلْتَرَ الوزارة والإدارة ولجنة الأهل المدارس اليوم!
- حيطان وغرف وطاولات وملاعب فارغة، من جهة.
- هواتف خلويّة، كمبيوترات محمولة وثابتة مشحونة، من جهة ثانية.
- وزارة، إدارة، أهل، طلّاب في الانتظار من جهة ثالثة.
فلنفترض أنَّ لا مُعَلِّمين من جهة رابعة!
النّتيجة؟
لن أكلّف نفسي عناء الإجابة، بل أقول:
لطالما كان هناك مُعَلِّمون من دون مدارس، لكن لم تكن هناك يومًا مدرسة من دون مُعَلِّمين.
هي لحظة الحقيقة!
تريدون أن تُنجحوا التّعلّم عن قُرب وعن بُعد، اعترفوا بذلك! إرفعوا القبّعات! إفعلوا شيئًا!
قولوا المُعَلِّم هو... المُعَلِّم... المُعَلِّم... ربَّاه، أنا لا أجد الكلمة المُناسبةّ لست أدري!
الدّليل على أنَّه كما أقصد هذا النّوع الطّارئ من التّعلّم.
تَبًّا لي، لقد عدت إلى الذّاتيّة من جديد، يجب أن ألتزم الموضوعيّة، يجب! ماذا دهاني؟!
- المُعَلِّم منارة، من دونها تتحطّم المراكب والسّفن على الصّخور الغائرة والنّاتئة، وتغرق.
- المُعَلِّم قنديل أبيض يعمل بطاقة العطاء المُتجدّدة.
- المُعَلِّم شجرة تين تسدّ جوع الجائعين.
تَبًّا لي مرّة أُخرى! لا فائدة! يبدو أنَّ الموضوع لا يسمح بالموضوعيّة، لكن حاول يا رجل، حاول!
بالمناسبة، أنا أطبّق مع طلّابي ما أطالب به في القسم الموضوعيّ القصير من هذه المقالة، والأمور على خير ما يرام بيننا، وهم، في معظمهم، رائعون بكلّ المعايير، يتفاعلون وينجزون، أسألهم ويردّون، يفتحون كاميراتهم ويجيبون، يقرأون ويكتبون، يتسابقون إلى الإجابة ويتنافسون، بتعبير آخَر: لا يختبئون. وأنا أشجّعهم بعلامة هنا، وتهنئة هناك، وزيادة هنالك، وما قلته في البداية، ليس إلّا توصيفًا للحالة شبه السّائدة.
وللإجابة عنِ السّؤال المطروح في العنوان أقول: هو تَعَلُّمٌ عن بُعدٍ ولا شكّ، ومُفيد، وأفضل المُمكن اليوم. كنتُ قد أجريت دراسة مُصغّرة حول الموضوع، وخرجت بما مفاده أنَّ مُعدّل نجاح التّجربة بالمقارنة مع التّجربة التّقليديّة، أي التّعلّم المباشر في المدرسة، تفوق السّتين في المئة.
وقد صدق من قال: "إذا لم يكن ما تريد، فأرد ما يكون." أليس كذلك؟!
تعجبني موضوعيّتي أحيانًا!
في الختام، الوزارة بطلة والإدارة بطلة والأهل أبطال والطّلّاب أبطال، الجميع أبطال رابحون، أمَّا المُعَلِّم... (عذرًا نفد الحبر)



حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم