الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

العائلة إلى جانب المريض بالسرطان

المصدر: النهار - الاب شربل شلالا – أستاذ جامعي
كم من الصعب على العائلة مواجهة خبر إصابة أحد أفرادها بمرض السرطان
كم من الصعب على العائلة مواجهة خبر إصابة أحد أفرادها بمرض السرطان
A+ A-
كم من الصعب على العائلة مواجهة خبر إصابة أحد أفرادها بمرض السرطان. لا أحد يقدر أن يعرف مسبقاً ما الّذي سيغيّره هذا المرض في حياته.
تسأل العائلة المعالجين الكثير من الأسئلة الطبيّة عن المرض ونتائجه على المدى القصير والطويل. في بداية المرض، تركّز أسئلتها على الحاجات التقنيّة، فتحاول أن تفهم المرض بحدّ ذاته وسبل علاجه، لتهتم بعدها بتأثيرات المرض على حياتها وحياة المريض اليوميّة. أيّ نوع من السرطان؟ أين موضعه؟ ما هي مساوئ ومنافع العلاجات المطروحة؟ ما الّذي تؤمّنه الجهّات الضامنة؟ كيف سيعطى العلاج، وكم من الوقت سيدوم؟ ما هي التدابير الوقائيّة المطلوبة؟ هل يمكن للمريض متابعة عمله؟ هل يمكنه أن يأكل طبيعياً خلال العلاج أم هو بحاجة إلى نظام غذائي معيّن؟ ما الّذي يجب أن تقوله العائلة لمساعدة المريض؟ ما هي الألفاظ الّتي يجب تحاشيها؟ ما العمل إذا شعر المريض باليأس والإحباط؟ هل يجب الإجابة عن كل التساؤلات؟ هل يمكن دعم المريض نفسيّاً؟ كيف السبيل للحفاظ على التوازن الطبيعي في العائلة ولمواجهة الضغط النفسي والجسديّ؟ كيف يمكنها استعادة ثقتها بذاتها وعدم الشعور بالذنب؟ ما هي الوسائل الاجتماعيّة والنفسيّة الممكنة لدعم العائلة خلال هذه الفترة؟ ما هي التأثيرات المباشرة وغير المباشرة على الحياة المهنيّة لكلّ افراد العائلة.
في هذه المرحلة الصعبة من الضروري أن تشعر العائلة أنّها مسموعة ومفهومة ومحمولة من قبل المعالجين، وأنّها قادرة على التواصل معهم بشكل دائم لتستوعب الأمور بشكل واضح.
العلاقة بين العائلة والمريض
مع أنّ الإحاطة العاطفيّة تساعد المريض على تخطّي الاوقات الصعبة، فإنّ بعض الصعوبات تبقى ولا شكّ موجودة. مثلاً، لا تفهم الزوجة ردّات فعل زوجها المريض، أو لا تفهم الأم لماذا تمتنع ابنتها المريضة عن الكلام. يجد المريض أحياناً صعوبة بالتكلّم مع عائلته لأنّ الألم يعزله عن الآخرين. يشعر أحياناً برغبة في الصمت أو في مشاركة محدوة مع أهله بما يعاني منه. أحياناً، يرفض أهل المريض أو أقرباؤه التوسّع بمعرفة ما يعاني منه المريض. أبرزت دراسة قامت بها جمعيّة تُعنى بمرضى السرطان في فرنسا أنّ لدى الزوج أو الزوجة أو حتى الأولاد نظرة متشائمة ودراماتيكيّة عن نوعيّة حياة المريض أكثر من المريض نفسه.
تُعاش كلّ مرحلة من مراحل مرض السرطان بشكل مختلف بين شخص وآخر. بشكل عام، تغدو المرحلة الممتدة بين اكتشاف الشيء الغريب وتشخيص المرض صعبة، وتُشبه إلى حدّ ما مرحلة البدء بالعلاجات التي تعيشها العائلة بخوف كبير. في كلّ مرحلة من مراحل المرض، تتغيّر تصرّفات وتفاعلات المريض وأهله.
أ - الإعلان: أحياناً كثيرة يأتي الإعلان عن المرض مفاجئاً وغير منتظر، فيُبلبل التوازن العائلي، فيسود الشكّ مرحلة التشخيص، وتعاش مرحلة انتظار الفحوصات والنتائج بخوف واضطراب، لأنّ الإعلان عن مرض السرطان يذكّر دائماً بالموت المحتّم؛ فنجد أحياناً الأهل محبطين وغير قادرين على مواجهة مشاعر مريضهم. يحاول المريض أحياناً حماية أهله من كلّ حزن وألم من خلال الحفاظ على دوره الفاعل في العائلة وإخفائه الحقيقة عنهم. وعندما يقرّر الإعلان عن مرضه يحاول أفراد العائلة تفهّم صمته. بالمقابل، هناك مرضى يُخبرون العائلة منذ البداية، ولكنّهم يستعينون بالطبيب لتقديم الدّعم الكافي لهم. تتعدّد الطرق لإعلان حقيقة المرض والصدمة واحدة.
ب - الدخول في العلاج
لا يعيش أفراد العائلة فترة العلاج بالطريقة نفسها التي يعيشها المريض. أحياناً كثيرة يتبدّل سلوكهم بشكل واضح، فيشعرون بالقلق والخوف من المستقبل. تُعطّل هذه المرحلة توازن العائلة، فتتبدّل أحياناً أدوار أفراد العائلة. من الضروري أن يتشاركوا الكلام لتفادي التوتّرات.
ج - العلاج
- تضبط محطّات العلاج الإيقاع اليوميّ للمريض والأهل. فنرى مثلاً أنّ العلاج الكيميائيّ للمريض يتبعه ألم وتعب وانزعاج نفسيّ، وتوقّف قسريّ عن العمل، وإحباط، إلخ. ينغلق أحياناً المريض على ذاته تدريجيّاً، ويُصبح من الصّعب عليه التواصل مع محيطه، في حين أنّ التعبير عن مشاعره يمنع تراكم الغضب والحزن والخوف في قلب المريض.
- يتساءل المريض: هل لديّ دائماً كرامة بشريّة؟ هل أنا محبوب من الآخر؟ هل أنا مفيدٌ؟ هل ما زلت أحافظ على قيمتي بالرّغم من مرضي؟
- يخاف أفراد العائلة من مرض السرطان، وأيّ مرض آخر، لأنّه يرجعهم إلى ضعفهم وهشاشتهم وعجزهم عن مواجهته. شهدت إحدى المريضات: "عندما علِمت صديقتي أنّي مصابة بسرطان الثدي، وبالرّغم من صداقتنا الطويلة، صارت تتحاشى التكلّم معي، وأصبحت أحاديثنا سطحيّة. فخفت أن أخسرها".
مرحلة نهاية العلاج عند مرضى السرطان
بعد نهاية العلاجات، نتكلّم عن عودة الشخص المريض تدريجيّاً إلى حالته الجيّدة. لا شكّ أنّ علاجات أخرى يُمكن أن تكون ضروريّة لمعالجة آثار ممكنة، أو لتخفيف خطورة انتكاسة محتملة في السنوات اللّاحقة. يحتاج المريض إلى بعض الوقت للخروج من مرضه، ولإيجاد صورة جديدة لذاته، ولاستعادة طاقته على المستويين الجسديّ والنفسيّ. وعلى محيطه أن يُعطيه هذا الوقت الكافي لذلك، لأنّه يرغب في تغيير بعض الجوانب في حياته، بعد هذا الاختبار المرير، لا أن يشعر بالذنب لأنّه غير قادر على تحقيق ما ترغب فيه عائلته. يروي أحد الأزواج: "تركَت امرأتي الكثير من نشاطاتها بعد شفائها من مرض سرطان الثدي، والتزمت أعمالاً خيريّة. استصعبت ذلك في البداية، ولكن عندما رأيتها سعيدة لم أعد أصرّ عليها بأن تعود إلى ما كانت عليه قبل المرض. واليوم، حياتنا ولدت من جديد".
لا شكّ في أنّ اجتياز المحنة صعب للجميع، وكلّ واحدٍ بحاجة إلى الوقت اللازم لإيجاد توازن جديد. لذا يجب أن يترك كلّ شخص الوقت لذاته وللآخرين ليفهم وليتواصل وليعيد بناء العلاقات مع المحيط. يساعد الحوار على إزالة كلّ العقبات والأمور غير المفهومة. خلال هذه الفترة، يبقى المستقبل غير مؤكد، فيظهر البعض متفائلاً والبعض الآخر قلقاً، البعض متعلّقاً بعائلته والبعض الآخر راغباً في الاستقلاليّة. في المقابل، عندما تتكرّر الحالة المرضيّة عند الشخص، يعيش المريض مرحلة صعبة تشبه يوم عرف بمرضه. من الصعب قبول إعادة عيش كلّ المحطّات المؤلمة التي ترافق العلاج. اللافت أنّ تكرار الاختبار من جديد يواجهه المريض والأهل أحياناً كثيرة بطريقة شجاعة، لأنّ كلّ شخص تعلّم أن يواجه ويجنّد إمكانيّاته التي استعملها سابقاً: إعادة تنظيم العائلة - مساعدة المحيط - الثقة في الفريق المعالج...إلخ.
في الختام،
تتّحد العائلة في أوقات الفرح والحزن، النجاح والفشل. صحيح أنّ المرض يؤثر على حياة العائلة إلّا أنّ العقدة تكمن في مدى استعداد الأشخاص للإصغاء والتشجيع والمساعدة. لا شكّ في أنّ المرض يحدث تغييراً في العادات ونظام الحياة اليوميّة، إلا أن المشكلة تكمن في مدى قدرة العائلة على تحديد الأولويّات واستيعاب المتغيّرات الحاصلة. من الضروري تبادل المهمّات في العائلة كي لا يتعب أفرادها ويستسلموا بل عليهم أن يواجهوا كلّ المتغيّرات من دون فقدان القوّة الضروريّة لإكمال الحياة بطريقة أخرى.
العائلة مدعوّة قدر الإمكان، بالرغم من جرحها، إلى مواجهة ناضجة للمرض. هذه الصدمة هي نافذة، منها تخرج عند البعض صور عن الموت والفشل والذنب فتعزّز الضغط وعدم الفهم والغضب، وتصبح مهدِّدة للتوازن العائلي؛ وعند البعض الآخر هي فرصة جديدة للحياة بطريقة جديدة.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم