الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

دعوني أخيط أحلامي بالصنارة

المصدر: النهار - فيوليت عطية
عندما تروّض نفسك منذ الصغر على العمل الدؤوب فيصبح هواية تنمو وتنمو مع الأفكار والأحلام.
عندما تروّض نفسك منذ الصغر على العمل الدؤوب فيصبح هواية تنمو وتنمو مع الأفكار والأحلام.
A+ A-
عندما تروّض نفسك منذ الصغر على العمل الدؤوب فيصبح هواية تنمو وتنمو مع الأفكار والأحلام.
تتراقص الصنارة في يديها الصغيرتين وتتولد معها الأحلام وتتوسع بقدر ما يكبر الشرشف التي تخيطه فيمتد عبر المدى لا يحده أفق ولا يغرقه بحر ولا ترتفع فوقه سماء.
تجلس هذه الفتاة الريفية اللبنانية على أريكة أمام منزلها الريفي وتحبك بصنارتها خيوطاً ذهبية من الأحلام الوردية لفتاة رومنسية طموحة ترى في العلم والمدرسة هدفاً لتحقيق الذات وتقدم المجتمع.
كانت أشغالها اليدوية تبرز ذوقها الرفيع وتدبيرها الراقي وصبرها الأيوبي وقوة تركيزها. وتبرز في تنفيذ أعمالها جمال النفس والروح. إن الأعمال اليدوية كانت مفروضة على كل فتاة لبنانية لتكتمل ثقافتها الأدبية، فالصنارة والخيط كانا يترافقان مع القلم والورقة والكتاب، وكانا لا يخلوان من يد أي فتاة من الصغر. فهي تتعلم كيف تعمل قطع المطبخ وتزينها وتهتم بزينة المناشف وقطع الحمام، وتشتغل الشراشف وأغطية الأسرّة وأغطية الطاولات والتابلوات وغيرها الكثير من الأفكار والإبداعات. فالفتاة اللبنانية الأنيقة والمذوقة كانت تحضّر جهازها العرائسي بيديها بمعية أمها وخالاتها وعماتها، وما زالت هذه العادة موجودة في قليل من البيوت الريفية اللبنانية، إذ إن السيدات من أقاربها يتفننَّ بالإبداع بالأشغال اليدوية كالتطريز والحبكة وأعمال الخياطة وشغل الصنارة.
أما نحن اليوم وعندما نأتي على الحديث نهلك ونأسف في آن، لأن الخليوي للأسف رفيق أطفالنا منذ الولادة. ففي الأشهر الأولى للطفل يحمل الخليوي ويقلبه ويستمع إليه ويتأمل صوره ويتصوّر. وبعض السيدات يشكرن الله على وجود الخليوي ليرتاحوا من همّ تربية أولادهن ويتلهين به عنهم. فبدل أن تركز الأمهات على مراقبة أولادهن وبالأخص الفتيات ويعلمنهن على اكتساب مهارة يدوية ليستفدن منها معنوياً ومادياً، فإنهن للأسف لا يدركنَ مدى الخطأ التربوي الذي وصل إليه المجتمع.
فإن أجمل ذكرياتنا كانت مع الرفيقات والأخوات في ممارسة مهارة شغل الصنارة التي أصبحت اليوم من أجمل الهوايات عندي. كنا نَحبُك ونُحيك الأشياء الجميلة، فإننا نجدها اليوم من أجمل القطع المنسوجة بالأحلام والحكايات الجميلة، فيها الكثير من الحنين إلى أيام حلوة وبريئة، فكنا نقضي الصيفية بالأشغال اليدوية، وفي الاستراحة ننقل الهواية إلى قراءة القصص والمجلات التي كنا أيضاً نحبك منها أجمل الأحلام لمستقبل زاهر ومشرق، ونعبر منها إلى أدب مخائيل نعمية وجبران خليل جبران وإيليا أبو ماضي. وبعد كل استراحة لابد لنا من أن نصنع شيئاً من الحلويات البيتية التي نكون قد اكتسبناها من أمهاتنا أو جداتنا. أين نحن من كل هذا؟ نحن مع مواكبة العصر ونحن من رواد التكنولوجيا ومعها، ولكن ليس على حساب شخصية أولادنا ونفسياتهم. فتخطوا عقدة الخليوي الذي يسيطر على عقول أطفالنا، سيطروا عليه قبل أن يسيطر علينا وقبل فوات الأوان. هلمّوا فوراً إلى حلقات بيتية أو اجتماعية تروّض الفتاة وتدربها على الصبر والذوق الرفيع، وكل ذلك يؤدي الى إفادة نفسية ومادية ومعنوية. تيقّظوا وانتبهوا لبناتنا، فهنّ مستقبل الوطن وأمهات الغد والأوطان تبنيها سواعد الرجال ودربة النساء.





الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم