السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

كيف يختار الشباب أمراضهم المستقبلية؟

المصدر: النهار - ياسمين زين الدين وميرا الظريف (متخصصتان في علم الصحة العامة – الصحة المهنية والبيئية)
يجد الشباب أنفسهم تحت الأمر الواقع لاتخاذ أكثر القرارات مصيرية وهي اختيار الاختصاص أو المهنة
يجد الشباب أنفسهم تحت الأمر الواقع لاتخاذ أكثر القرارات مصيرية وهي اختيار الاختصاص أو المهنة
A+ A-
يجد الشباب أنفسهم تحت الأمر الواقع لاتخاذ أكثر القرارات مصيرية وهي اختيار الاختصاص أو المهنة، لأنّهم بخيارهم هذا يختارون البيئة التي سيقضون فيها معظم أوقاتهم، الأعمال التي سيقومون بها والمواد التي سيستخدمونها.
وفقاً لمنظمة إدارة السلامة والصحة المهنية (OSHA) في الاتحاد الأوروبي، 2.4 مليونا عامل يموتون بسبب أمراض ترتبط بطبيعة عملهم، أي ما يساوي 6.500 حالة وفاة يوميّاً في العالم. أمّا بالنسبة لمنظمة العمل الدولية فقد أعلنت أنه عالمياً يحصل 340 مليون حادث و160 مليون حالة مرضية مرتبطة بالعمل.
الحوادث المتعلقة بالعمل الأكثر شيوعاً هي الانزلاق، والتّعثّر، والوقوع، الحادث بسبب رفع أو حمل الأغراض، التعرض لضرب بجسم متحرك، التعرّض إلى العنف والسقوط من ارتفاع. هذه الحوادث وكثير غيرها تؤدي إلى إصابات جسدية بشكل أساسي والتي تتضمن الجروح والحروق والكسور والالتواء بالمفاصل والتمزق العضلي والإصابات الدائمة التي قد ترتب الكثير من المشاكل التي تطرأ على المصاب... والتأثيرات النفسية التي قد تترافق مع هذه الإصابات.
أما الأمراض المتعلقة بالعمل الأكثر شيوعاً فهي فقدان السمع بسبب الضوضاء، التهاب الجلد، الربو، التوتّر والصّحّة النفسية، والاضطرابات العضلية الهيكلية كالتشنج المستمر. هذه الأمراض تنتج عن الأصوات العالية المستمرة، والتعرض لكيميائيات أو مخاطر بيولوجية كالعفن والفيروسات، والضغط الكبير في العمل، والجلوس أو الوقوف لفترات طويلة أو القيام بالحركة ذاتها بشكل متكرّر.
هذه الأمراض والحوادث غير متعلقة بمهنة واحدة: فعلى سبيل المثال العاملون في صيانة السيارات يتعرّضون لخطر الانزلاق على الزيت أو الشحم، والتعثّر بالمعدات الموجودة على الأرض والوقوع في حفر الصيانة. أمّا العاملون في المحلات التجارية فمعرّضون لحوادث بسبب حمل الأغراض الثقيلة وتحريكها ونقلها من مكان إلى آخر. إضافة إلى ذلك، العاملون في الورش قد يتعرضون لإصابات بسبب اصطدامهم بأجسام معلقة بالرافعات الموجودة في موقع العمل. أما العاملون في قسم التمريض فيواجهون العنف الجسدي واللفظي من مرضاهم. كما ويتعرّض المهندسون لخسارة سمعهم بسبب أصوات الآلات التي يتعاملون معها يوميًّا. زد على ذلك، عمال المحطات الذين يتنشقون روائح البنزين بكمّيّات كبيرة ومحروقات أخرى. ومزيّنو الشّعر الذين يتعرضون لاستنشاق المواد الكيميائية المستخدمة للتنظيف والتزيين. وعناصر الأمن والسلك العسكري يواجهون ضغطاً وتوتّراً كبيرين بسبب عملهم المحفوف بالمخاطر. والعاملون في المكاتب يعانون من اضطرابات عضلية هيكلية بسبب جلوسهم لفترات طويلة خلف مكاتبهم وانحناء رقابهم عند استخدام الحاسوب.
كل المهن لديها مخاطر خاصة بها، وإن قام الباحثون بالتمعن فيها فكل مهنة منها تعرّض العاملين فيها إلى أكثر من مجرّد خطر واحد. والأمر الذي يعتبر شيئاً إيجابياً في هذه الحقيقة هو أنه متى قام الأخصّائيون بتقييم بيئات هذه المهن واكتشاف مصادر المخاطر أمكنهم تخفيفها والسيطرة على مستوى الخطر الذي يتعرّض له العمال ويواجهونه، بذلك يمكن لهم ولأصحاب العمل اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة التي تخفّف الحوادث والأمراض.
المحافظة على صحّة العامل هي من الأساسيات الّتي يجب أن تأخذ جزءاً من التخطيط الاستراتيجي للشركات والمؤسسات. فالعامل هو الحجر الأساس الذي يحرّك كل الموارد الموجودة للوصول إلى نتيجة مرضية تزيد الإنتاجية. ويقع جزء كبير من المسؤولية على أصحاب العمل لتجهيز بيئة آمنة وصحية للعمل، وتدريب العاملين على الإجراءات الوقائية، ووضع قوانين داخلية للمحافظة على صحّة العامل. أمّا الجزء الآخر فيقع على العامل بأن يكون ملتزماً بالإجراءات، يتّبع التّعاليم ويساهم بالسيطرة على نسبة المخاطر عبر مشاركة خبرته وملاحظاته مع مسؤولي الصّحّة والسلامة والإدارة في المؤسسة. وهنا تأتي مسؤولية الدّولة في أن تتأكّد من اتّباع الإجراءات الوقائية ووضع قوانين لإرشاد المؤسسات وإلزامها بتطبيقها. وفي حالة غياب الدولة تظل مسؤولية كل فرد في هذا المجتمع أن يعي ماهية المخاطر التي يواجهها وكيف يقوم بتخفيف التعرض لها والضغط على الأطراف المعنية لحماية صحة العاملين في أي قطاع.
وصحيح أن الشباب يختارون أمراضهم المستقبلية عند اختيارهم مهنهم ولكنهم أيضًا يختارون تجنبها كل يوم بحسب درجة وعيهم وتصرفاتهم في بيئة عملهم. لذلك لا بدّ من تنظيم تدريبات ميدانية للعمال لتوعيتهم على المخاطر التي قد يواجهونها وقد يتعرّضون لها وتعليمهم الطّرق الوقائية لدرء هذه المخاطر عنهم. ورغم أن هذه التدريبات قد تكلّف المؤسسات المعنية مصاريف إضافية لكن التكلفة تبقى استثماراً في صحة الموظفين وأقل بكثير من تكلفة وضرر الأمراض والإصابات الدائمة وما يتبعها من معاناة اجتماعية ونفسية.
يبقى الإدراك والوعي ومصلحة العامل والقوانين التي تحفظ حقوق العاملين والنقابات المعنية والقضاء النزيه... أهم الأسس لإيجاد عامل سليم في بيئة مناسبة عسى أن نقلّل أمراض القلب والسكري والسرطان وغيرها عبر الالتزام ببعض الإجراءات والممارسات.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم