ماذا لو انتبهتم قبل الأزمة

لم تكن الأزمة الاقتصادية اللبنانية وليدة لحظتها، فقد كان بناء الاقتصاد اللبناني ينهار مدماكاً بعد مدماك؛ وعوامل كثيرة عبر سنوات طويلة من عدم التنبه الاقتصادي أدّت إلى ما عرف الآن بأكبر أزمات العالم في العصر الحديث.
نعم، تخطّى لبنان حروباً عبثية، واغتيالات، وضربات إسرائيلية لبناه التحتية، منذ نهاية الحرب اللبنانية، بل تخطى الأزمة العالمية عام ٢٠٠٨، وتحرّكات الربيع العربي، لاسيما في سوريا، وتخطّى فوق ذلك الفراغ الرئاسي في عدّة سنوات، إلا أن كلّ هذا كان يدق مسماراً في نعش الاقتصاد رويداً رويداً.
لم تتغير معالم سياسة لبنان الاقتصادية منذ تسعينيات القرن الماضي، ولم يقدّم مسؤولو لبنان أي دراسة جدّية للاقتصاد سوى الاقتراض، فمن المؤتمرات الداعمة إلى المساعدات الدولية والعربية زاد الدين العام حتى بلغ ما يقارب المئة مليار دولار في فترة من الفترات، فزادت خدمة دينه أضعافاً، وأصبح الناتج المحلي الإجمالي يتآكل سريعاً. كل هذا ولم يفِ لبنان بوعود قطعها لكسب هذه الديون، كان آخرها مؤتمر سيدر، الذي بعكس متطلباته الدولية، جاءت الموازنات اللاحقة، فجمدت الدول الصديقة والمانحة عطاياها، وزادت البنوك فوائدها بطريقة غير مدروسة بتاتاً، ودخلنا في معضلة ديون بين الدولة والمصرف المركزي والمصارف، ونتج من ذلك ارتفاع التضخم والبطالة ومعدلات الفقر وهروب الشباب المنتج والشركات الكبرى من لبنان، فتحرك الدولار صعوداً، وانهار ثبات العملة الوطنية، وجاءت ١٧ تشرين ٢٠١٩ لترفع الصوت وتعلم النائمين من أهل المسؤولية بالخطر المقبل، فأقفلت المصارف في فترات مشبوهة، وسحبت المليارات خارجاً، وبدأت تكبر كرة الثلج، فعجزت الحكومة عن سداد الديون، فسحب المجتمع الدولي ثقته من لبنان الاقتصادي، وسحب المواطن ثقته من المصارف، فانهار الاقتصاد سريعاً، وأتت الضربة الكبرى بانفجار مرفأ بيروت التاريخي، وما زلنا ندور كمواطنين لبنانيين مع دوائر الكذبة السياسية والاقتصادية ولعبة المراكز والحصص.
ماذا لو انتبه المسؤولون في البداية لذلك؟! ماذا لو سدّدنا الديون؟! ماذا لو حاولنا تنفيذ متطلبات الدول المانحة؟!
ماذا؟ وماذا؟ وماذا؟
لكننا نعيش في جنة من الله دمّرها مسؤولو بلادنا، فأيّ وحوش كانوا وأيّ غباء ذلك؟!