الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

الجراحة التجميلية: خوف من الشيخوخة؟

المصدر: النهار - الاب شربل شلالا – أستاذ جامعي
أضحت الجراحة التجميلية ظاهرة اجتماعية يلجأ إليها الكثير من الأشخاص
أضحت الجراحة التجميلية ظاهرة اجتماعية يلجأ إليها الكثير من الأشخاص
A+ A-
1- أضحت الجراحة التجميلية ظاهرة اجتماعية يلجأ إليها الكثير من الأشخاص، بالرغم من أنّ كل تدخّل في جسم الإنسان لديه تداعياته ومخاطره الكثيرة على صحّة الشخص مع ما يتبعه من تكاليف باهظة وغايات تجارية.
2- تتطلّب الجراحة التجميليّة تخصّصاً وكفاءة ومهارة غير موجودين دائماً لدى الأطباء. نشهد تعدّيات كثيرة على المهنة من قبل البعض، من بينهم الأطباء العامّين وأطباء النساء. من الضروري التشديد على المعايير العلميّة والمهارات.
3- الطبيب مسؤول عن المريض، ومن واجبه تأمين أفضل نوعيّة رعاية له والحفاظ على حريّته. فقبل قيامه بالجراحة التجميلية، عليه أن يعطي الشخص المعلومات الضرورية: كفاءته في هذا المجال، التقنيات المتّبعة، شروط التنفيذ، المخاطر المحتملة، المادّة المستعملة ومدى تأثيرها على صحّة الشخص، التكلفة المادية. بالمقابل، على المريض أن يُعطي موافقته بعد أن يكون قد اطّلع جيّداً على كلّ التفاصيل.
4- تتطلّب كلّ محاولة تجميل، لأجزاء من الجسم، الكثير من التفكير ليميّز الشخص دوافع هذه الجراحة وتأثيراتها عليه: هل ألجأ إلى الجراحة بسبب تشوّهات في جسدي ناتجة - على سبيل المثال لا الحصر - عن حادث سيارة، تمّ علاجها بواسطة الجراحة الترميميّة؟ أم أريد أن أجمّل أحد أعضائي لأنّي منزعج من شكله، ويهمّني كثيراً مظهري الخارجي؟ هل أسعى لأبقى شاباً أو شابة لأنّ الشيخوخة هي نقيض الشباب ومرتبطة بالهشاشة والفشل والتدهور والخسارة؟ هل الجمال الخارجيّ هو الضامن لشبابي وقدراتي ومهاراتي؟ هل أسعى إلى جعل جسدي خالياً من العيوب؟ هل أبحث عن تقدير لذاتي؟ هل أحتاج إلى تقدير الآخرين؟
5- عندما ننظر بطريقة مختلفة إلى الشيخوخة، بعيداً من الهلع والخوف، عندها يمكننا أن نقبل ذواتنا كما نحن. هذا لا يعني أنّه لا يجب أن نهتمّ بذواتنا ونحسّن مظهرنا. كلّ تغيير يحدث في مظهرنا لا يُسيء بالضرورة إلى حياتنا، وهو ليس بالضرورة من مترادفات الضعف والخسارة. إنّه علامة لتقدّمنا بالعمر وبالخبرة، ويُمكننا أن نرافقه دون أن نفرض على ذواتنا معالم أخرى لا تعود تشبهنا. إنّ تقدّمنا بالعمر والخبرة هو مسار طبيعيّ وضروريّ، والجمال ليس من مترادفات الصّحّة الجيّدة والقوّة. للأسف، أحياناً نحاكَم على مظهرنا انطلاقاً من نموذج يعكس قيم المجتمع والصورة التي يريد أن يظهرها، والتي يرغب في استثمارها في الأشخاص. بلجوئنا إلى الجراحة التجميلية، نؤكّد أنّنا قادرون على السيطرة على كلّ تداعيات عمرنا. لهذا السبب نقدّر بالإجمال الرياضيين، لأنّهم – بنظرنا - علامة للاستقلاليّة، للإرادة الصلبة والحياة من دون حدود. لا شكّ في أنّه يُمكننا أن نشيخ بطريقة أفضل وبشكل جيّد، ولكن هل يجب أن يُصبح سعينا هذا واجباً أخلاقيّاً؟
6- لا شكّ في أن الرغبة في الشباب متأصّلة في الذاكرة الجماعيّة. كليوباترا انتحرت مستعملة سمّ الحية السوداء لتحافظ على جمالها بعد الموت، ممّا يعني أن الرّغبة في الحفاظ على الجمال الظاهري ليس وليد التقنيّات. صحيح أنّ العرض يؤثّر على الطلب، ولكنّه لا يخلقه. تحاول الجراحة التجميلية إعادة الطبيعي إلى الجمال، ولكنّها غير قادرة على حلّ كل مشكلات الناس وإرضاء كلّ رغباتهم وتقلّباتهم النفسيّة. الطبيب مسؤول مع الأشخاص كي يؤمّن سلامتهم، ولكنّه غير ملزم بالإجابة عن كلّ متطلّباتهم، خاصّة إذا كانت تُعرّضهم للأذيّة.
7- هل نسعى من خلال الجراحة التجميلية إلى تحسين أعضائنا أم نسعى إلى الكمال؟ ما هي الحدود بين الواقع والخيال، بين الجسد الواقعي والجسد الحلم؟ لا شك في أنّنا نعيش صراعاً بين صورتنا لذاتنا ونظرة الآخر إلينا. إنّ هامش الحرية عند الفرد ضيّق، لأنّ حرّيته مقيّدة، بعض الشيء، بمعايير فُرضت عليه، وهو غير قادر على رفضها في حين أنّه غير مضطرّ إلى اتباعها إذا تمكّن من استيعاب مكوّناته وفهم دوره ورسالته.
8- ختاماً، يطمح العلم اليوم إلى الخلود، إذ يريد، ليس فقط إطالة عمر الإنسان، بل جعل الحياة ناصعة في الإنسان. لأنّ طول العمر لا يعني، بالنسبة له، الانتصار على الموت، إنما قرب الإنسان منه دون أن يطاله بسرعة. من الضروري اللّجوء إلى التمييز الأخلاقي لمعرفة دوافع الأشخاص. إذا كان الإنسان يستفيد من العلم ليُصلح خللاً ما يجعله يستعيد ثقته بذاته، فهذا ضروري ومفيد. أما إذا كان خائفاً من الشيخوخة فهذا يستدعي مقاربة المسألة بحكمة كيلا تكون هذه العمليّات الجراحية مضرّة لشخصه ولمفهومه للحياة وهاجساً يفقده حبّه وقبوله لذاته.
ويبقى السؤال: هل تهمّني الّلحظة اليوم أم أخاف من الغد؟
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم