الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

لبناننا ينادينا ممنوع ومرفوض!

المصدر: النهار - جيزيل ابي خليل الحاج
بعد أن ودّعت أحبّاء كثيرين هذا الصّيف، وآخر وداع كان ليلة البارحة، عصر الألم صدري، واجتاحتني موجةُ بكاءٍ لا تنضَب
بعد أن ودّعت أحبّاء كثيرين هذا الصّيف، وآخر وداع كان ليلة البارحة، عصر الألم صدري، واجتاحتني موجةُ بكاءٍ لا تنضَب
A+ A-
بعد أن ودّعت أحبّاء كثيرين هذا الصّيف، وآخر وداع كان ليلة البارحة، عصر الألم صدري، واجتاحتني موجةُ بكاءٍ لا تنضَب، فكأنّي أذرف دموعي الخاصّة عن كلّ الوطن ومع كلّ الوطن، عن كلّ أمّ ومع كلّ أمّ. وها أنا أستيقظ قبل طلوع الفجر وقلبي يخفق حزناً وألماً. أنهض وأزور غرف أولادي وفي بالي أنهم رحلوا هم أيضاً، ولكن دون أن أودّعهم. بعد ذلك، أمسك قلمي، وأتركه يَعبُر بي من الخاص إلى العام، فتَنساب الكلمات لِتُعبّرَ عن عمق الجرح وقساوة الألم.
فالرّحيل يغمرنا لدرجة أنّنا نشعر بأنّنا ممزّقون، وأنّ ثقلاً يسكن كياننا، وشرّاً يتربّص ببلادنا. شرٌّ يعتبرنا عبئاً أو عائقاً؛ لذلك يسعى جاهداً إمّا لموتنا وإمّا لرحيلنا!
ما أبشع هذا الشعور! والأسوأ أنّ كثيرين يشعرون بهذه المرارة!
فهل السّفر أو الرّحيل رذيلة؟! هل الرحيل ممنوع أو مرفوض؟!
أبداً!
لكنّ الممنوع والمرفوض هو ألّا يكون خياراً حرّاً نأخذه بوعيٍ متى نريد وبملءِ إرادتنا.
خلقُ الظروف التي تدفعنا إلى الرحيل مُرغَمين أمرٌ ممنوعٌ ومرفوض!
تعريضُنا للذلّ والاستعباد حتى لا يعود لنا خيار ممنوعٌ ومرفوض!
خنقُ كلِّ نفَس حياةٍ عنّا وعن أولادنا ممنوعٌ ومرفوض!
تدخّلتم في كلّ شيء لِمَنعنا من الحياة بحرّيّة...
نقول أنتم!
مَن أنتم؟!
أنتم الذين تخطّطون، أو تسمحون، أو تسكتون، أو تستفيدون، أو ترضخون.
نعم أنتم بذلك تمنعون عنّا الحياة وهي حقّنا، وهذا ممنوعٌ ومرفوض!
في رؤيانا لوطننا تدخّلتم وشوَّهتم صورة الوطن الأبيّ وهويّته وتعبثون بكيانه.
في طموحنا لدولةٍ قادرة وعادِلة تدخّلتم وتشلّون كلّ إمكانيّات النهوض.
في مفهوم الحرّيّة وحرّيّة التعبير لكم آراءٌ تَحُدُّ وتحاول أن تَقمَع.
في الكرامة والشهامة والأخلاق لكم مقاييسكم التي قد لا تشبه ما نصبو إليه.
في أموالنا - إن وُجِدَت - تدخّلتم وسَننتم قوانين "غبّ الطلب" ففرِغت الجيوب.
في ما نأكل، وفي ما نشرب ونلبس، تريدون فرضَ المصدر وتحديد الاسم والنوعية وحتى الكمية الممكنة والمسموحة.
في نوعيّة الهواء، الذي نتنفّس، تتدخّلون، وما ذلك إلّا نتيجة سياسات تسمح بتكديس التلوّث الفاسِد بدل السّعي إلى حلول وتقنيّات واعتماد آليات تعيد التدوير وتُحقّق التَّنقِية .
في علاجنا وحبّة دوائنا وفي استشفائنا تدخّلتم.
ماذا تريدون؟!
ماذا تريدون بعد؟!
موتنا أو رحيلنا؟!
حتّى لو أردنا أن نتجرّد من كلّ شيء، وقَبِلنا العيش في العَراء كالنّسّاك أجدادنا، لا نرجو غنىً إلّا العلم والتربية، تجتمع تلك الظروف التي تعرفونها وتخلقونها، مُحاوِلةً خنق وتقويض هذه الرّكيزة الحيويّة التي لطالما شكّلت محور ارتكاز واهتمام أساسيّ للعائلات من أجل مستقبل أولادهم.
ماذا نقول بعد؟!
يعجز الكلام!
تطفئون كلّ بارقة أمل، تخنقون كلّ نفس حياة، وتحبطون كلّ طموح!
منذ سنين والبلد مهدّد، وأنتم ساكتون، متفرّجون، مستفيدون.
منذ سنين والبلد ينهار، منذ سنين ينخر السّوس المؤسّسات، منذ سنين أيضاً ترتفع شعارات البطولات والانتصارات ومكافحة الفساد والسّعي إلى تغيير الواقع وإصلاحه!
لكن أين نحن من هذه الوعود الصّادقة منها والوهميّة؟!
أين نحن من إعادة إنتاج الثقة التي قد تسمح بإعادة إنتاج سلطة قادِرة وعادِلة؟!
إلامَتى نتهرّب من تسمية الأمور بأسمائها، ولا نضع الإصبع على الجرح بصدق ووضوح كي نتمكّن من بدء عمليّة الإنقاذ؟!
سياسة "شيطنة البلد بأمّو وأبوه" المُمَنهَجة بهدف إفراغه والانقضاض عليه كفريسة سهلة لا بدّ أن تتوقّف!
سياسة "شيطنة البلد بأمّو وأبوه" االمُمَنهَجة بهدف إفراغه والانقضاض عليه كفريسة سهلة ممنوعة ومرفوضة!

والآن أتوجّه أليكم أنتم... يا أيّها العقلاء والمفكّرون الأوفياء للوطن ولدولة المؤسّسات، المؤمنون بلبنان الرسالة، ما بالكم لا تدركون قوّتكم؟!
استنهِضوا الهِمَم، تخلَّوا عن كلّ تفرقة، اتّحدوا، آمنوا بقدرتكم، فكّروا معاً بسرعة، وبسرعة فائقة فهم يسرقون منّا حتّى الوقت!
أسمع الكثيرين يقولون: نحتاج لشارل مالك، لكمال الحاج، لبشير الجميّل، لجبران التويني وغيرهم وغيرهم من نفس الروح، أو نحتاج لمعجزة!
كونوا أنتم المعجزة!
كونوا أنتم الفكر الجديد والقادة الجدد!
قودوا مسيرة التنوير، فدرب الحرّيّة وصون السيادة تبدأ من الفكر، وتتحقّق بالإرادة الصّلبة، وبخطىً ثابتة نمشيها معاً كفريق وكجماعة، وليس كأفراد منفصلين.
فلنتّحد كأغصان ثابتة متجذّرة بالأرزة الواحدة، لبنان.
هذا اللبنان، الذي يسلخونه عن ذاته وكيانه، ينادينا.
من كان غصنَ أرزةٍ في الغربة؛ متجذّرٌ هو، فليعمل من أجل الوطن.
ومن كان غصنَ أرزةٍ قادراً على البقاء ضمن الـ١٠٤٥٢ كم٢ فليبقَ، وليصمُد، وليعملْ بما أعطي له من طاقة وقدرة.
متّحدين نواجهُ الأزمات. متضامنين نتحدّى قوى الموت. هذه هي روح المواطَنة المرجوّة في هذا الزّمن الصّعب.
لبناننا ينادينا. كرامتنا المغروسة فينا تأبى أن ترضخ أو تستسلم. حرّيتنا الممنوحة من الله تصرخ فينا هُبّوا واتّحدوا وأنقذوا هذه الأرض المقدّسة، فدعوتها الإنسان ومشروعها الرسالة.
وغير ذلك ممنوع ومرفوض وباطل!
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم