الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

أين أنتم من الأخلاق؟!

المصدر: النهار - بيبا خليل
الإنسانية حس لطيف يغمر كل ذي خلق جميل وعقل سليم وقلب نظيف
الإنسانية حس لطيف يغمر كل ذي خلق جميل وعقل سليم وقلب نظيف
A+ A-
كانت الإنسانية ولا تزال شعار معظم الدول التي أرادت أن تمحو آثار الشرور وتعطي للخير الأحقية بأن يسيطر على العالم، ليبدو كسحابة نور تجوب الكرة الأرضية وتلقي بسلامها على البشرية جمعاء.
الإنسانية حس لطيف يغمر كل ذي خلق جميل وعقل سليم وقلب نظيف، فمن سلم عقله نظف قلبه، ومن نظف قلبه أصبح إنساناً ولم يعد مجرد كائن يعتاش. لأن العاقل منا يدرك أن الإنسان يختلف عن غيره من الناس، لتصبح هويته تقول إنه هو من امتلك أحمد الصفات البشرية والأخلاقية والضمير الواعي الحي الذي يجعله سيد البشرية التي لطالما تغنت بالإنسانية واتخذتها شعاراً يوثق المشاعر ويعطي الإنسان قيمة عظمى تضعه بمنزلة أرقى وأغنى سلاماً عن باقي المخلوقات، لا سيما خوفاً من أن يسود قانون الغاب بيننا ويغلبنا الطمع، فنصبح بذلك أكثر شراسة من الحيوانات نفسها.
لذلك كانت الإنسانية الكلمة الوحيدة القادرة على استخراجنا من مستنقع الشراسة وتصنيفنا كائنات خلوقة، كائنات قد امتلكت أغلى ما في العالم من قيم، وجسدتها بأفعالها لتكون بذلك قد غلبت أقوى الشرور وأخرجت الكون من الظلمات إلى النور وأعطته معنى الإنسان.
كم من دول وأشخاص في يومنا هذا تقول وتمدح بالإنسانية وتعرض كيفية إمكانيتها بأن توزع لآلئها على الدول كلها ليصبح الأبيض هو اللامع تحت السماء وفوق الأرض، علماً منا أن معظم من ينشد الإنسانية هو نفسه الذي يسعى إلى دفنها، طمعاً بالسيطرة على المنظومة الكونية وإخضاع العالم بأسره لنظام واحد يكوّنه ويريد برمجة الآخر حسب مقتضياته وحسب ما تمليه إرادته الخاصة، محاولاً إقناع الغبي منا بأن ما يسنّه هو ما أمضى وقتاً طويلاً في البحث عنه، فيلتزم بقراراته مع كل رحابة صدر وعقل مصفد لا يريد أن يفقه شناعة الشر الذي يعدو عليه مهرولاً بكل ما أوتي من غباء وانعدام دهاء.
جميعنا يعاني ويكاد أن يفقد صوته من شدة الصراخ، المآذن والأجراس استسلمت لسماع ما تؤول إليه حروفنا. أين المقاصد التي توعدون بها؟؟، أين السلام الذي تنادون به؟؟، أي مصلحة تريدون أن تبرز؟؟ نريد أن نفهم، مصلحة السلام كما تزعمون أم مصلحة العداء كما تقصدون؟؟ لأن لا سلام فيكم ولا خير ولا نقاء.
لا نعلم من أين أوتيتم بهذا الكم من الجبروت؟ أي دين وملة تتبعون حتى نراكم بالبرودة التي عليها؟ ليس بعلمنا أن هناك مذهب يحدث ويحثّ على توزيع الشر والظلم على النحو الذي تقومون به، حتى الملحد منكم واجبه أن يكون خلوقاً.
نحن نكاد نتحسس القاع وأنتم تسرحون وتمرحون وكأن الأسود الذي لوّن القلوب لا يعنيكم. وكأن النار التي أكلت دواخلنا لا تهمكم، وأنتم تنادون بالإنسانية والسلام. ما رأيناه منكم جعلنا نتيقن أن إنسانيتكم تناقض جوهرها، الجوهر الذي لا يمت إليكم بصلة، والذي يجعلنا نقول إن الإنسانية أصبحت مشردة على أيديكم، ليس هناك من يرعاها ويظهرها للعلن، ولم يعد لها مفهوم خاص يجعلها تنفرد بالوجود وتأخد مكانتها بهذا العدم الذي يلتف حولنا ويجعلنا نتساءل عن ماهية المجرة التي تحتوينا.
نحن القوم الذي يجوز له أن يقول إن الإنسانية مبتورة الساقين ليس بمقدورها أن تصل إلى الجميع إلا بإذن من كرسيها الملعون.


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم