الساكت عن الحق شيطان اخرس

إنّ في لبنان وحوشاً تخطر بين الناس كالبشر". قالها الرئيس الحص في الثمانينيّات، ولم يتغيّر شيء حتّى الآن. زعماء سوق النخاسة السياسيّة ما زالوا يتربّعون على عروشهم والشعب يصفّق. أرباب الفساد والإجرام والمحاصصة والمذهبيّة ما زالوا يتحكّمون بمصير العباد والشعب يصفّق. مسرحيّة دمويّة سرياليّة أبطالها نعرفهم جيّداً، إذ نحن مَن انتخبهم وأعاد انتخابهم وهلّل لهم في كلّ محفل، وكتّاب النصّ والمخرجون والمنتجون قوى خارجيّة نعرف أطماعها في بلدنا والشعب يصفّق.
إلى متى؟
الجوع والعتمة والحرمان والموت؛ موت بالتفجيرات، وموت من نقص الأدوية، وموت من انعدام الكهرباء والمحروقات، من توقّف الأجهزة الحيويّة في المستشفيات، موت في طوابير الذلّ للحصول على رغيف خبز، أو إتمام معاملة أو استحصال على جواز سفر لعلّ وعسى.
حتّامَ ستبقى مصفّقاً يا شعبي؟ حتّامَ ستبقى يا شعبُ خاضعاً للمحتكرين يتحكّمون بمصيرك بجشعهم وبمباركة زعمائهم وتعليماتهم، ولا منَ ينتصر لك أو يحفظ لك حقاً؟
حتّامَ ستبقى سائراً في ركب الأحزاب والتيّارات والزعيم، وكلّهم جلّ همّهم التسابق على المناصب والتناحر على الكراسي للحصول على مكاسب تحاصصوا عليها ويتحاصصون؟
حتّامَ وهُم بمنأى عنك وعن معاناتك، ينفّذون أجندات أحنبيّة على حسابك؟ حتّامَ والكثير منهم يملك من الثروات، التي سرقوها منك يا شعبي، واكتنزوها في الخارج على حسابك، وبالرغم من أنفك، بفسادهم وعهرهم، وأنت تتفرّج؟
أموالنا المنهوبة، لو استُرجعت ووُضعت في أيدٍ نظيفة مع حسن الإدارة وترشيد الإنفاق، كفيلة بانتشال لبنان من محنته. عارٌ علينا أن نقبل بالمنظومة نفسها تُعيد اجترار ذاتها بالطريقة عينها التي أوصلتنا إلى هنا. عارٌ على الشقيق والجار والصديق وكلّ من يدّعي الحرص على حقوق الإنسان أن يقف متفرّجاً مكتوف الأيدي مباركاً عودة الفاسدين والسارقين والمجرمين إلى سدّة الحكم، وذلك لمكاسب سياسيّة وأطماع وتمرير صفقات دوليّة.
الساكت عن الحقّ شيطان أخرس، فالكلّ مسؤول بصمته عن كلّ شهيد سقط ويسقط، تفجيراً أو قتلاً أو موتاً بطيئاً. الحلّ ليس بتسكير الطرقات أمام المواطنين، ولا بالتظاهر في الشوارع؛ فهذا لا يهزّ الضمائر الميتة، بل قد تكون بداية الحلّ بخلع عباءة الزعيم والتبعيّة السياسيّة والطائفيّة، والعصيان المدنيّ الكامل وتحويل الغضب الشعبي الهادف إلى مواقع القرار، وكلّنا نعرفها.
سلميّاً، وبسلاح الموقف فقط، عليّ وعلى أعدائي!