الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

لا تنتظر للغد، لأنك هالك غداً!

المصدر: النهار - سعد نسيب عطاالله
تعود مساء إلى المنزل، بعد يوم أمضيته في مسيرة ضياع وغثيان متواص
تعود مساء إلى المنزل، بعد يوم أمضيته في مسيرة ضياع وغثيان متواص
A+ A-
تعود مساء إلى المنزل، بعد يوم أمضيته في مسيرة ضياع وغثيان متواصل، بدءاً من ساعات الصباح الأولى، في زحمات سير خانقة، خالطها شتائم وصراخ وانتظار طويل في موجة حر صيف حارق.
تستهلك كميات من مخزون نفط السيارة، الذي كنت قد أمضيت ساعات طويلة في طوابير الإذلال والقهر للحصول عليه، فتقرر اختصار مسافة مشوارك، وتركن سيارتك في مرآب أقرب مجمع تجاري، محاولة منك لشراء حاجيات العيش البسيطة، عساها تكون أقل ثمناً من بضاعة حانوت الحي، الباهظة الثمن!
تجوب مع عربة التسوق أركان السوبر ماركت، بحثا عن أبسط مكونات سبل العيش البدائية. تمضي ساعة كاملة في قراءة الأسعار على الرفوف المليئة "بما لذ وطاب من مأكولات أيام زمان"، فتتخم عيونك وتتلوى أمعاؤك الخاوية، ولكن دون جدوى!
تقرر أخيراً شراء بعض الخضار، والحبوب، وخبز إفرنجي، ومعكرونة، وطحينة، دون أن تتجرأ على شراء زجاجة زيت نباتي، أو مكعب زبدة دنماركية صغير؛ وإذا شئت أن تكرم نفسك، فإنك تلتقط علبة بسكويت وطنية عن الرف، مع علبة حلوى الراحة، وقليلاً من المكسرات لأولادك!
تحتسب ما اشتريت شفهياً، قبل الوصول الى المحتسب، وتتحسس جيوبك جيداً وببطء، لكنك تصاب بدوار غريب، عساك تصحو منه قبل تسديد ثمنها على الصندوق!
تبدأ عملية الاحتساب الآلي، وأنت متأهب لدفع المبلغ الذي احتسبته، لكن يتبين لك ان أسعار الرفوف لا تتوازى مع تلك التي على الحاسب الإلكتروني!
من حسن حظك أنك قد أفرغت جيوبك بالكامل من المال المتوفر، وتحمد الله أنك غير مضطر لإعادة أي صنف اخترته! الأسعار على الرفوف نار، وفي الحاسب الإلكتروني بركان.
تخرج من السوبر ماركت "منتوف الريش"، بعد أن سددت مبلغ ثلاتماية وستين ألف ليرة، على سعر صرف الدولار 18500 ليرة، أي ما يوازي عشرين دولاراً، كان ثمنها سابقا يساوي ثلاثين ألف ليرة على دولار الـ 1500 ليرة!
لكن راتبك لم يتبدل مع تبدل سعر صرف الدولار الصاروخي، وقد جارت عليك وعلى عائلتك الأيام، وانت لا تزال تتحين هبوط سعر صرف الدولار المستحيل، حتى تستطيع البقاء على الحياة من راتبك الشهري المنهوك والمتآكل!
هذه حال معظم الناس الأوادم في لبنان-المزرعة، الذين لا يزالون يعتصمون بالصبر وحلول نعمة الله البعيدة المنال عليهم، بين ليلة وضحاها، لكنها لن تحصل!
عودتك إلى البيت هي الخيار الوحيد الباقي أمامك ووراءك، بعد نضوب جيوبك من قليل المال الإفتراضي!
ماذا كنت تتوقع من غدك لو لم يكن لديك بعض من المال الأبيض في بيتك لليوم التالي، فيما إجمالي كل ما تبضعته من ضرورات العيش "غير الكريم"، لا يعدو كونه طعاماً للخراف والدجاج، وما شاكل من الحيوانات الأليفة!
لم تشتر لحماً، ولا حليباً، ولا أجباناً ولا ألباناً لأطفالك، لأن شراءها يتعدى ويفوق قدرتك الشرائية المحدودة!
ماذا تحتسب للغد؟
هل ترضى أن تهزل صحة أبنائك مع عدم تناولهم الغذاء الأساسي الكامل؟
هل تصدق كذبة البطاقة التمويلية، وهي لن تتحقق لضمان بقائك على قيد الحياة مع عائلتك حتى وإن وصلت إليك؟
هل خطر في بالك يوماً أن كل شيء متوفر وبوفرة لجميع أولاد كل السياسيين الفاسدين، ولا ينقصهم أي صنف من أصناف الأغذية والتغذية الصحية، وليسوا محرومين من أي وسيلة من وسائل اللهو والمرح والترفيه، وأنت لا تزال خاضعاً لهؤلاء الأوغاد السوقة، وأن تزمتك المذهبي الهالك، وغباك وجهلك لنهبهم، وسرقاتهم، وإجرامهم، هي التي أوصلتك إلى هذا الحضيض الوجودي البائس؟
هل تريد أن تبقى خروفاً "مربوطاً" للذبح في مسالخ أمراء الحروب القتلة؟
لا أريدك أن تثور، وتناضل، بل أنصحك أن تثأر من هؤلاء الأوباش الذين لا يعرفون الضمير، ولا الأخلاق، ولا القيم!
اليوم هو يومك الحاسم للتخلص من هذا الوباء الآثم.
إثأر اليوم، ولا تنتظر للغد، لأنك هالك غداً، لا محالة، مع عائلتك الغالية!


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم