الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

أخلاقيات استعمال وسائل التواصل الاجتماعي

المصدر: النهار - الأب شربل شلالا – أستاذ جامعي
إذا كان كلّ شيء حسناً فليس كل شيء نافعاً وضرورياً لنا. إن شبكات التواصل الاجتماعي مفتوحة للجميع
إذا كان كلّ شيء حسناً فليس كل شيء نافعاً وضرورياً لنا. إن شبكات التواصل الاجتماعي مفتوحة للجميع
A+ A-
إذا كان كلّ شيء حسناً فليس كل شيء نافعاً وضرورياً لنا. إن شبكات التواصل الاجتماعي مفتوحة للجميع وتساعد في كثير من الأحيان على تعزيز ثقافة العيش معاً، ولكنّها تؤذي أحياناً الكثير من الأشخاص. فهل يجب تقييدها أو منعها أم يجب العمل على تفعيل قدرات الأشخاص على التمييز في كلّ شيء يُعرض عليهم؟
أ‌- بعض الثوابت
يجيب استعمالنا لوسائل التواصل الاجتماعي على حقّنا بحريّة التعبير وبالوقت عينه يضعنا أمام مسؤوليّاتنا الإنسانيّة. إنّها طريقة تعبير جديدة ووسيلة للعيش معاً. كلّ وسيلة من هذه الوسائل تحمل نيّة معيّنة: التعارف، التعبير، الشهرة، المشاركة، التسويق، إلخ. ونموذج اجتماعي مبني على مشاريع اقتصاديّة وسياسيّة، تساعد على تحديد خياراتنا. كلّ ذلك لا ينسينا الثوابت التالية:
1- الشخص البشري كائن اجتماعي يتأثر بالآخر ويُؤثِّر فيه.
2- الشخص البشري حرّ وقادر على أن يجد ذاته وسط كلّ التأثيرات وأن يقود حياته بالطرق المناسبة.
3- حريّة الشخص إلتزام ووعي وتفرض عليه معرفة كيفيّة استعمال كلّ ما يصل إليه من معلومات.
4- الكلمة لها دورها وأهميّتها ووقعها على حياة الشخص الذي عليه أن يتحمّل مسؤوليّة كل كلمة يقولها أو يكتبها.
5- إحترام التعدّديّة والسّعي الدائم للخير العام واجب أخلاقي.
6- عرض الخصوصيّة بشكل دائم وبدون رقيب يُفقد الشخص الكثير من مصداقيته.
7- الصبر يعلّم الشخص قيمة الوقت ويعطيه الفرصة للدخول إلى ذاته برويّة وبدون تسرّع. فهو بحاجة إلى إعطاء معنى لما يعيشه ويختبره ويتفاعل معه.
ب- علاقتي بذاتي
- كلّ شخص لديه صورة معيّنة عن ذاته يريد إيصالها للآخر. أحياناً يريد أن يكون شفّافاً وأحياناً أخرى يرغب بالتكتّم عن مجريات حياته. فباستعماله لوسائل التواصل الاجتماعي تختفي الحدود بين الواقع والخيال، بين الثابت والمتحرّك، بين الحقيقة والكذب وبين الصمت والكلام.
- إلى أي مدى يمكننا مراقبة المعلومات الشخصيّة؟ كيف تُستعمل هذه المعلومات في المجالين التجاري والتسويقي؟ إلى أي مدى يمكننا إدراك النتائج المترتّبة علينا عند كلّ مشاركة؟ هل نعرف متى نتوقّف عن التفاعل مع هذه الوسائل التي تجبرنا على الكلام بشكل مستمر وعلى فقدان أهميّة التحفّظ والسريّة حول مواضيع ليس من الضروري نشرها؟ بمعنى آخر، هل نعرف متى نتكلّم ومتى نصمت ونمتنع عن الرّد؟
- لكلّ شخص الحق بنشر ما يريد عن حياته الخاصّة والمهنيّة ولكنّه مسؤول عن ما ينشره. بمعنى أن عليه الإجابة عن كلّ عمل يقوم به. فكلّ ما يُنشر يمكن أن يُقرأ من الكثيرين حتى ولو كان موجّهاً إلى عدد محدود من الأشخاص.
- إذا كان ليس من الضروري أن نكذب وننشر معلومات مغلوطة عن هويتنا ونوايانا لتسهيل التواصل الصادق، هذا لا يعني أنّه لا يمكننا أن نبقي هويتنا مجهولة شرط أن لا نسعى من خلالها إلى الأذيّة والتهجّم وتحريف الحقائق.
- المساحة بين العام والخاص ضيّقة جدّاً. كلّ ما ننشره مخزّن في أماكن عديدة لغايات تخرج عن سيطرتنا. علينا التفكير قبل الكتابة وقراءة ما نكتبه قبل نشره والإبتعاد عن ردّات الفعل السريعة. أن المعلومات التي ننشرها لا تعود ملكاً لنا ولا يمكننا مراقبة ما يقال عنا من قبل الآخرين. من الأفضل تعلّم الصمت وعدم الإجابة عن كلّ شيء يصلنا ولو دُعينا إلى ذلك.

ج- علاقتي بالآخر

- حياة الآخر الشخصيّة مقدّسة، ومن واجبي أن لا أتدخّل في شؤون الآخر إلا إذا أذن لي. فما أقوله عن الآخر من دون موافقته غير جائز.
- كلّ ما أريده لذاتي أريده حتماً للآخرين. كل كلمة أقولها يمكن أن تنتهك حرمات أو تثير بلبلات أو تمسّ كرامات أو تقضي على سمعة عائلات، إلخ.
- عندما ألتقي بالآخر فإنّي ألتقي بمسيرته التاريخيّة التي بدأت قبل أن أكون موجوداً في حياته. ما يعني أنّي لست قادراً على معرفة كل تفاصيل حياته. من الضروري التسلّح بالحكمة والرزانة في كلّ أقوالي وأفعالي.
- لا يحق لي أن أقول ما يحلو لي بإسم حريّة التعبير. فأحياناً كثيرة تتحوّل هذه الأخيرة إلى تعيير. ما أقوله عن الآخر هو إلتزام تجاهه وتجاه ذاتي. فتواصلي معه يجب أن لا يقصيني عنه أو يقصيه عنّي.
- تساعدني هذه الوسائل على العيش مع الآخر وتؤمّن لي التواصل مع أشخاص ومجموعات يشاركونني نفس القيم. هذا لا يجب أن يمنعني من التواصل باحترام وبفكر منفتح ونقدي مع الذين لا يشاركونني مبادئي وتطلّعاتي.

في الختام
- يبقى الصمت في معظم الأحيان خلاصي حتى ولو فُرض عليّ التعبير عن آرائي بشكل متواصل.
- يبقى التساؤل ضرورياً كي أدرك ما الذي يعجبني في كل ما أقوله؟ ما الذي أسعى لتحقيقه؟ هل أريد أن ألفت النّظر أو أن أتسلّى أو أن أساهم بتقدّم الإنسانيّة؟
- يمكنني تدارك الأمور إذا خرجت عن مسارها وسبّبت أذيّة للآخرين. إما أن أسحب الخير وإما أن أعتذر وإما أن أصحّح. ليس عليّ أن أخاف من الإعتراف بأنّي غلّطت أو تسرّعت أو ضُلّلت.
- كلّنا مسؤولون عن تربية بعضنا البعض على الحس الإنساني. يمكننا دائماً أخذ مسافة من كل ما نراه ونسمعه ونترك لذواتنا بعض الوقت للتفكير والتحليل. فالتسرّع يؤذينا أولا ويؤذي الآخرين من حولنا. والأذية أحياناً لا تكون ظاهرة ولكنها تفعل فينا وفي الآخرين. فلنعشق الوقت كي نتمكن من وضع كل شيء في إطاره الصحيح لصالح الخير العام.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم