الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

انتخابات التغيير أم التعبير؟

المصدر: النهار - دميا معوض جبور
أيّاماً قليلة تفصل لبنان عن الانتخابات النيابيّة.
أيّاماً قليلة تفصل لبنان عن الانتخابات النيابيّة.
A+ A-
أيّاماً قليلة تفصل لبنان عن الانتخابات النيابيّة.
تَعتبر الأكثريّة الشعبيّة هذه الانتخابات "مصيرية"، لأن نتائجها - حسب قولها - سوف تغيّر مصير بلد بأكمله. لكن هل فعلاً يمكن لانتخابات ٢٠٢٢ أن تكون هي المفتاح للتغيير في ظلّ ما يحصل من انهيار اقتصادي واجتماعي وسياسي، أم أنّها مجرّد خطوة للتعبير عن رفض الواقع في ظلّ نظام سياسيّ مشبع بالطائفيّة غير قابل للتغيير؟
المشهد اليوم في لبنان هو الآتي:
البلد يغرق في العتمة، كهرباء الدولة متاحة فقط ساعة في اليوم، وعلى اللبنانيّ إيجاد طريقة لتسديد ثمن الاشتراك بالمولّد، وغالباً ما تفوق القيمة معاشه الشهريّ.
إنَّ فقدان العملة الوطنيّة قيمتها جعل ٨ من أصل ١٠ لبنانيين يعيشون تحت خطّ الفقر.
غياب نظام يضمن الشيخوخة أجبر العديد من كبار السّن  الوقوف على الطرقات لبيع الجوارب والشموع وبعض الحلويات ليتمكّنوا من شراء علبة الدواء.
الطرقات الدوليّة شبه فارغة، فركوب السيّارة أصبح ترفاً بسبب ارتفاع أسعار المحروقات.
عدد كبير من المحالّ التجارية والمطاعم أقفلت أبوابها.
أكثر من ٤٠٠.٠٠٠ طلب هجرة لأميركا وأوروبا تقدّم بها اللبنانيّون في السنة الأخيرة. أطفال يذهبون إلى المدارس محفظاتهم فارغة من الموادّ الغذائيّة لعدم تمكّن أهلهم من تأمينها لهم.
الحدّ الأدنى للأجور أصبح يُعادل الـ٢٥ دولاراً أميركيّاً، وقسمٌ من الدواء بات مفقوداً، فيما القسم الآخر باهظ الثمن، وكأنّهم يقولون للفقير الأفضل لك أن تموت!
الطبقة السياسيّة أبدعت في تحميل المواطن والفئات الفقيرة جميع الخسائر التي تكبّدها البنك المركزيّ والمؤسّسات المصرفيّة.
في ظلّ هذه المآسي الاجتماعيّة والاقتصادية، كيف لهذا المشهد أن يتغيّر بعد انتخابات ٢٠٢٢؟
وإن تغيّرت الأسماء ودخل البرلمان دم جديد، فهل بمقدورهم أن ينقلوا الشّعب من جهنم إلى الجنّة؟
لنَعُد إلى العام ١٩٨٩، حين صدرت اتفاقيّة الطائف، وأصبحت ما يُسمّى دستوراً جديداً، أعطت بنوده الحريّة لميليشيات السلطة وبعض النافذين من رجال الأعمال لتطبيق الموادّ التي تناسبهم، وتجاهل الموادّ التي لا تتماشى مع طموحهم السياسي، سنرى الصورة الخارجية للبنان الذي يتمتّع بمؤسّسات، ولكن خلفها في الكواليس هو مجرّد تجَمُعٍ لرؤساء الطوائف، الذين يملكون في أيديهم المقررات المصيرية للبلد والقدرة على تقسيم الحصص السياسيّة. لذلك عند نشوب الأزمات تراهم يجتمعون حول طاولة الحوار ليجدوا حلولاً لأزمات هم افتعلوها.
في ظلّ هذا النظام، حتى الثورة الشعبية التي حدثت في العام ٢٠١٩ كان لديها حدود لا يُمكن تخطّيها، لأن مَن يقف بوجهها من طوائف قادر على أن يفتعل حرباً أهليّة لكونه يملك سلاحاً لا تملكه الدولة. أمّا بالنسبة إلى الجيش اللبناني، فصحيح أنّه قوة منضبطة لكن النفوذ الطائفيّ في داخل المؤسسة العسكرية أضعفه وحدَّ من نفوذه، وهذا ما يُفسّر سبب عدم حدوث انقلاب عسكريّ إلى اليوم.
التغيير اليوم مشروط بالحاجة إلى التغلّب على الخوف الذي يغرسه النظام الطائفي، الذي يُخيف المسيحيين بحجّة أنّ أيّ إصلاح من شأنه أن يؤدّي حتماً إلى تراجعٍ في تمثيلهم في الدولة. أمّا الشيعة فيكفي التلويح بشبح إرادةٍ أجنبية لوضع حزبهم في خطوةٍ تجعلهم رافضين للتغيير. هذا النظام السّامّ يُعطي حياة ً طويلة لاستعمال الطائفة لأطماع سياسية، ويجعل الفرد المستقلّ عاجزاً عن أن يحصل على موقعٍ سياسي من دون المرور بهم.
إذن، لحدوث تغيير يجب أن نعلم أن الثورة ليست فقط عرض مطالب الشعب من كهرباء ودواء…. ووضع الإصبع على الفاسدين من السياسيين، وقطع الطرقات بحرق الإطارات، بل على الثورة ومَن يمثلها أن يُعالجوا عقم النظام، الذي صنع هؤلاء، وجعل منهم ما هم عليه الآن!
التغيير لا يفعل دون تشريع واستراتيجية، فيما الخوف أن ينقل ممثلو الثورة إلى البرلمان المنهجية نفسها التي اعتمدوها في الثورة؛ وعندها للأسف، جهنّم التي نعيشها اليوم ستبقى قابعة إلى دهر الداهرين.
التغيير الذي سيحصل في هذه الانتخابات هو داخل كلّ فرد. إنه تغيير في منهجية التفكير. فهل أنا مستعدّ لأضع جانباً تحزّبي وطائفتي وعلاقاتي الاجتماعية، التي تربطني بهذا المرشّح أو ذاك، وأنتخب من أراه ناشطاً في العمل الإنمائي، ونظيفاً، وتهمّه مصلحة الوطن؟
التغيير هو أن أنتخب شخصاً من دون أن أحمّل ضميري عبء الذي حصل في ٤ آب وغيرها من أحداث مؤلمة. إنّها خطوة الألف ميل نحو التحرّر من طائفتنا، والوقوف بوجه من يستعمل دينه للحصول على زعامة سياسية؛ حان الوقت لنعطي ما لقيصر لقيصر وما لِلهِ لِله.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم