الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

عزف فوق الروح

المصدر: النهار - هند خضر ــ سوريا
عزف فوق الروح
عزف فوق الروح
A+ A-
الّليل يجمع هياكله العظميّة المشبعة بالدّموع، يستلقي على أرواح متعبة من آهات النّهارات الصاخبة .
استلقيتُ وأنا أترقّب محتويات الفراغ من حولي، ارتجاف لهيب المصباح الوحيد في غرفتي الذي انطفأ فجأة.
حاولت أن أرسم أمام ناظريّ لوحة تأمليّة حالمة، فإذا بها تمتزج بصراعات لونيّة من الكآبة المظلمة وحزن العشق. تراوحت تفاصيل الّلوحة بين إشراقات باردة تارةً ودافئة تارةً أخرى. أغمضتُ عينيّ وغفوت، في الحلم سمعتُ نداءً يائساً منكسراً اصطحب معه لحناً موسيقيّاً شجيّاً تقشعرّ له الأبدان وتدمع معه العيون، إنّه عزف صادر عن آلة بيانو، أمامها يجلس موسيقيّ يعزف سمفونيّة (ضوء القمر للمبدع بتهوڤن)، أصغيتُ إلى ألحانه الّتي راقت لي رغم الحزن القابع فيها، تصاعدت أنغامه السّحريّة في الهواء وفي لحظة مفاجئة قدّم لي شاب من خاصرة الشّمس ترياقاً للحياة......
ربّاه هل أنا في حقيقة أم خيال، يقظة أم حلم؟ هذا ما قلته لنفسي ومن ثمّ خطر لي سؤال لطالما راودني ولم أجد له إجابة
فقلتُ للعازف: لماذا تولد فينا الحسرات؟
العازف: لحظة تأمّل صغيرة تقودنا إلى الغليان النّهائي الّذي يعصف بأرواحنا ويلقي بها في المنتصف .
ثوانٍ معدودة تخلّلها تقارب وتباعد، ممكن ومحال رمقتُ الشّاب بنظرة عميقة انبثق منها شعاع مصبوغ بلون الفرح.
أيّها الخارج من خاصرة الشّمس مدّ يدك لي فأنا أحتاج إلى شمسك لتجفّف روحي المثقلة بالطّعنات، سأعترف لك ذات مساء عندما يعزف صاحب البيانو بأنّني كنتُ ...
الشّاب: ثمّة رغبات نجهل حقيقتها، كلّ ما نعرفه عنها أنّها تولد من رحم أحلامنا، تكبر في كنف أحاسيسنا، تتصاعد إلى درج أرواحنا ثمّ ينتهي بها المطاف إلى الارتطام بجدار واقعنا. وبما أنّ ما نحلم به ليس على مقاسنا، فأنا لم يبقَ في جعبتي منها هذه الّليلة سوى الاعتراف بأنّني كنتُ ومازلتُ ...
أُصِبتُ بحالة شرود تلوّنت بلون الأسى وعلى إيقاع السّمفونيّة حاولتُ أن أرتدي ثوب التّمرّد على الحياة بردّي عليه :
تعالَ لنفتح ستارة النّافذة معاً ونفسح المجال لدخول نور القمر المتألّق في ليلتنا الظّلماء، فحلمنا مازال ينتظر على شرفة الأمل ...
الشّاب: لو كان بإمكاني لتحكّمتُ بأنامل هذا العازف وحوّلتُ موسيقاه إلى لحن مليء بنغمات الفرح والابتهاج لأجلكِ. لو استطعت لما تردّدتُ لحظةً في قلب عتمة الّليل إلى كتلة من نور فأضعها بين كفّيكِ لأضيء عالمكِ، لو أنّ الوقت يسعفني لجمعتُ ما بعثرته الأيّام بيننا وأمسكتُ بيدكِ وتجاوزنا معاً نقطة المنتصف ولكن ...
لحظة صمت قاتلة لم يعد ينفع معها أن أستنطق الكلمات فقد تلعثمت على شفاهي وغصّت بها حنجرتي.
توقّفت أنامل الموسيقيّ عن العزف، عاد الشّاب إلى حيث أتى واستفقتُ من حلمٍ بدأ مع انعكاس ضوء القمر وانتهى بشروق خيوط الشّمس ....


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم