الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

إلى روح جهاد أبو جوده

المصدر: النهار - ليليان خوري
لا أستطيع أن أصف اعتزازي بلقاء عملاق الصحافة وكاتب أهم عمود في الصحافة العربية.
لا أستطيع أن أصف اعتزازي بلقاء عملاق الصحافة وكاتب أهم عمود في الصحافة العربية.
A+ A-
لم أكتب عنك سابقاً ولا رثيتك يوم رحلت عن هذه الحياة، لأنني عجزت حينها عن أخذ القلم لأغضب أو لأكتب سخطي وألمي. وإلى اليوم ما زلت أتهيّب الكتابة عنك من خلال حروفٍ قد لا تفيك حقك أو تعبّر عن مدى امتناني لك.
إلا أنني مع كل إشراقة شمس، أستذكر عمراً جمعنا تحت سقف العمل طيلة ثمانية عشر عاماً. كنت خلالها الأب والأخ والصديق والأستاذ الذي لا يتوانى عن محادثتي ومناقشتي في كل المواضيع لتنويري وتعليمي.
أذكر في اليوم الأول في العمل بادرني قائلاً قبل أن تتعلمي العمل الإعلاني عليك أن تتعلمي العمل الإعلامي، استغربت الأمر إذ كنت في السابعة عشرة من عمري ولم أكن حينها اعتدت بعد قراءة الصحف.
أجبته وماذا اقرأ؟ قال يكفي أن تقرئي ميشال أبو جوده يومياً كي تتعلمي رسالة الصحافة الحقيقية المثقّفة العميقة وغير المبتذلة.
قلت له ومن يكون ميشال أبو جوده؟ قال لي هو قبل كل شيء أستاذي ومعلمي ومثلي الأعلى في الحياة ونصفي الآخر، بالمختصر هو شقيقي.
استغربت من رب عملٍ غريب يريد أن يلقنّني دروساً في الصحافة، وقد أتيت إلى العمل في قسم الإعلانات.
ثمانية عشر عاماً أمضيتها تحت سقف هذا العمل الذي غيّر في نفسي الكثير وتعلّمت منه أكثر. وكم فرحنا معاً وحزنّا معاً وكسبنا معاً وبكينا معاً وتألمنا معاً.
تعلمت العمل بسرعة وكنت أواظب على قراءة الصحف يومياً لأن فنجان القهوة صباحاً لم يكن يحلو من دون دردشات الصحف ونقد المقالات المكتوبة وتبادل الآراء حولها.
وذات صباحٍ أطّل ديك النهار ومارد الصحافة ميشال أبو جوده في زيارة مفاجئة إلى مكاتب العمل، وكم كانت فرحتي عظيمة يوم عرفني إليه جهاد مبتهجا:ً حضرته ميشال أبو جوده.
لا أستطيع أن أصف اعتزازي بلقاء عملاق الصحافة وكاتب أهم عمود في الصحافة العربية.
مضت السنون على غفلةٍ وأصبحت بمثابة ابنة لهذه العائلة، إذ لم أعد أقرأ الأاستاذ ميشال في الصحيفة فحسب، بل كنت أجالسه بعد ظهر كل يوم نتحادث، وأستفسر منه أشياءً لم أتلقفها جيداً. بالإضافة إلى أنني كنت أغني له بعض الأغاني الطربية الكلثومية التي كان يهواها.
تمدّدت هذه العلاقة الطيبة إلى أفراد العائلة جميعاً من هاني إلى فلاح إلى دال حتي وزوجته ابنة منطقتي الجديدة إلى هيام وناديا وأم داوود والمعلم داوود وزوجته لور، حيث أمضينا سوياً بعض الجلسات الرقيقة التي كان يسرد فيها المعلم داوود لي أخباراً متفرقة من الحياة. إذ من الصعب أن تجالس فرداً من هذه العائلة لا يكون ملماً في كل الأمور وجاهزاً كي يخبرك عن كل شيء، فشغفهم في المعرفة يجعلهم يلمّون في خفايا الأمور، والأجمل أنهم يشاطرون معرفتهم مع الآخرين.
كان الأستاذ جهاد يقول لي حين كنت أكتب النصوص الإعلانية لبعض المعلنين يجب أن تكوني صحافية. وفي المرات التي كنت أكتب فيها خواطري كان يشجعني ويثني على كتاباتي.
لا أنسى أنه حاول مساعدتي للدخول إلى الجامعة اللبنانية وتوّسط لي للاجتماع مع سام منسى ليشرح لي رسالة الإعلام. تعلّمت الكثير من هذا اللقاء والأهمّ أنني كسبت صديقاً عزيزاً ومحترماً.
قدّمت امتحان الدخول إلى الجامعة، إلا أن الحرب حينها وأحداثاً كثيرة طرأت، منعتني من معرفة نتيجة الامتحان، ومذّاك كرّست نفسي للعمل مع الأستاذ جهاد، وبقي حلم الصحافة يعيش في نفسي والحنين إلى مقاعد الجامعة يدغدغ وجداني.
الى أن دخلت كلية الإعلام منذ ثلاث سنوات وعدت من جديد إلى مقاعد الدراسة التي هجرتها قسراً وأتمنى أن أنال شهادتي منها بعد فترة وجيزة.
اليوم استطيع أن أكتب أستاذي لأقول لك إن تلميذتك كما كنت تناديني لم تتخلّ عن حلمها وابنتك الرابعة التي لم تنجبها لم تنسَك كما لم تفعل مايا ويمنى وزينة.
أستاذي العزيز، إن أجمل الأيام التي عشتها كانت في كنفك وكنف هذه العائلة الطيبة، وأجمل الذكريات اختبرتها بقربكم وخصوصاً إلى جانب الأستاذ ميشال في آخر أيامه.
أستاذي وصديقي جهاد، ستبقى كل الحكايات الجميلة التي رويناها والأحداث الحلوة والمرّة التي عشناها أجمل أيام حياتي.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم