جواز سفر

على جسر الأبجدية، تتكسر أجنحة الليل، تمتد أنامل خفية لتشق الظلام القابع في النفوس التائهة، يسيل العطر من رؤوسها لينسكب على صفحات قلوب أرهقها الانتظار، أفكار تتلألأ في فضاء العقل كنجوم السماء ثم تتناثر لتضيء عتمة قاطنة بين أهداب ناعسة .
أحلام معتقة كنبيذ في زجاجات الأمكنة، وُضِعت في العتمة تنتظر الفرصة كي تخرج إلى الضوء فتثمل منها العقول وتزهو بها الأرواح .
رغبات تجثو في زوايا النفس، تصعد على درج الأمل إلى أن يصل من يحررها من هذا القيد .
عند الغروب وقف الخيال فوق جسر الأمل متأملاً ومنتظراً بلهفة وصول الحقيقة التي ارتدت ثوب أنثى رقيقة تشبه سحابة صيف لتمسك بيده وتأخذه إلى مكان أعمق من البحار، أبعد من المدن، مكان لا يمكن أن يعلم به سوى روحيهما .
بصيص أمل يلوح بيديه من بعيد، سمع الخيال صوت خطوات رزينة تمشي في مدخل شرايينه، إنها الحقيقة التي انتظرتها كثيراً (حدث الخيال نفسه).
همست الحقيقة بصوت خافت في أذنه: تأخرتُ جداً في قدومي ولكنني أتيت، دنوتُ منك لأجعل نبضك يحلق في عوالم أخرى، ربما التقينا في زمن خاطئ ولكننا سنرتبط معاً بحبل سري روحي .
الخيال: تلعثم الكلام على شفاهه في بادئ الأمر من ارتعاشة أصيب بها في خافقه ثم قال: أسمع معزوفة فريدة لم أسمع بها من قبل، أنتِ لم تهمسي في أذني فقط، لن تصدقي أن همسك بلغ روحي وداعب حناياها، اقتربي أكثر لنصهر جسدين في روح واحدة .
الحقيقة: جئتك مع غيمة ماطرة عساها تمطر عليك حباً وورداً، سأحيي آمالك من جديد، سأوقظ لهفتك التي دخلت في سبات طويل .
الخيال: دعيني أرسم وجهك على المرايا، على سنابل القمح، اتركيني أغفو بقربك على ضفاف الغروب، غطيني بخصلات شعرك وامنحيني عمراً إضافياً .
الحقيقة: ليكن الحب هو جواز السفر الذي أعبر به إلى روحك، تلك الروح المعجونة بطين فاخر من الجمال سأسكب فيها رذاذ الياسمين ما حييت .