الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"حب ّالحياة في النموذج العربيّ والأميركيّ"

المصدر: النهار - سوسن الشريف – مصر
"حب ّالحياة في النموذج العربيّ والأميركيّ"
"حب ّالحياة في النموذج العربيّ والأميركيّ"
A+ A-
أشعر بالشفقة على الفنان "ليونارد دي كابريو في فيلم "Don’t look up"، وهو يحاول إقناع الأخرين وبالذات المسؤولين ورئيسة الولايات المتحدة الأميركية. وقد أبدعت "ميريل ستريب" كعادتها في أدائها السهل الممتنع الممتع، وجسّدت شخصية المسؤولة الحكومية، بل رئيسة البلاد التي تعيش في وادٍ آخرَ منفصلٍ عن المجتمع، تحوّل كلّ عيب ومشكلة إلى ميزة وطريقة لجذب الشعب وتعاطفه. فعندما لم تستطع الامتناع عن التدخين في الوقت الذي تقود فيه حملة ضدّه، قرّرت التدخين أمام الناس معترفة بضعفها وخطئها، فكسبت تعاطفهم أكثر، وصارت مثالًا للصدق. وفي خطابه الأخير يتحدّث ابنها بصراحة فجّة أنّهم طبقة الأغنياء، والجمهور من العامة غير القادرين، لكنّهم يحتاجون دعمهم لتتكامل وتتكاتف كلّ طبقات الشعب في صالح البلاد، وبالفعل كسب تأييدهم، لولا أنّهم رأوا النيزك في السماء.
تتضح هنا ملامح السياسة التي تتبناها أميركا وتصدّرها إلى دول العالم أجمع في نقاط عدّة:
- استغلال القضايا والمشاكل والتحدّث عنها بلا خجل، بجمل صريحة "أيوه أنا بأدخّن، بس اعترافي شجاعة مني". وهو ما قدمته "ساندرا بولوك" من قبل في فيلم Our Brand Is Crisis، "نعم يوجد عنف، والرئيس يرشّح نفسه لمواجهته". لتتحوّل من نقاط ضعف في أداء الدولة، إلى وسيلة لكسب التعاطف، ودليل على المصداقية.
- الضغط على الطبقة الأضعف والأفقر لمساعدتك، فتستمر في تأييدك مهما ضغطت عليها بحجة أن كل المكاسب سوف تعود عليهم.
- رسم الابتسامة والوجه الطيب، والقيام ببعض التصرفات والأفعال التي تبدو ساذجة وعفوية، وهي تخفي وجهاً قبيحاً ومتوحشاً يقضي على الأخضر واليابس دون اعتبار لمصالح الشعب.
- تصدير الكابوس الأميركي المستمر عن نهاية العالم وانفجار الأرض والسماء، وقدّموا هذه الأفكار بتكرار لا ينتهي، ومن الأفلام المثيرة للسخرية كلما عرضت حاليًا فيلم 2012، ولم يحدث وقتها إلّا انفجار ثورات الجميع يدفع فاتورتها إلى الآن.
ويكتمل هاجسهم دومًا بعد دمار الأرض، البدء من الجديد، وفي الفيلم يختتم مع مشهد للرئيسة وبعض من تم اختيارهم للاحتماء بكبسولات، هبطت على الأرض بعد الانفجار. فيخرجوا منها إلى براح أخضر، دون ملابس تمامًا، ويقابلون طائراً كبيراً يلتهمها، وكأنهم يعودون إلى بداية الخلق، كما ولدتهم أمهاتهم، وفي وجود مخلوقات خرافية.
نعود إلى بداية الحديث وأنا أشاهد "دي كابريو" ينفعل في الفيلم أثناء حضوره حلقة تليفزيونية محاولًا إقناع المذيعين والمشاهدين بالكارثة ومدى خطورتها وقربها، ومدى خوفه على الحياة وحبها بشدة إلى حد تعجبتُ له، وضحكت ساخرة من هذا التعلق بالحياة.
كل فترة تطالعنا الأخبار عن نيزك سوف يصطدم بالأرض، فنحوّل الخبر إلى نكت وسخرية، لسببين كما أظن:
- أننا كائنات "مؤمنة بطبعها"، ونترك أمرنا إلى الله، ونمارس هذا الإيمان كما يحلو لنا وليس كما يجب. فمثلًا من يسرق أو يرتكب جريمة أو يقوم بفاحشة أو ذنب كبير أو صغير يذكر الله بمظهر مؤمن ويداوم على الدعاء.
- والثاني، أننا لا نحب ولا نخاف على الحياة مثل الدول الغربية المتقدمة، فصرنا نتمنى الموت، لذا صار الانتحار عند البعض أبسط وأيسر الحلول، دون اعتبار لكونه خطيئة وذنب كبيرين.
وبصفتي معالجة ومحللة نفسية فأغلب حالات الانتحار التي حدثت مؤخرًا لا تندرج تحت غياب الوعي أو المرض بدرجة تؤدي إلى الانتحار، إنما هو أولًا، فراغ وخواء نفسي قوي، ينقصه الإيمان والدين وهو الجانب الغائب من الساحة حاليًا للأسف، رغم كثرة المنشورات الدينية على صفحات التواصل الاجتماعي، إلا أنها مجرد مظاهر ولا تمسّ القلب والنفس من الداخل، وإلا لكان الحال اصطلح ولم يتدهور إلى هذا الحد المرعب.
وثانيًا، عدم القدرة على مواجهة وحل المشكلات وتحمل المسؤولية. وثالثًا، كسب التأييد والتعاطف عند ارتكاب أخطاء، وكثيرًا ما يكون الانتحار عقاباً لمن يسبّب مشكلة للمنتحر وبخاصة من الأهل، ليجعلهم يشعرون بالذنب.
رابعًا، الفجوة الكبيرة بين الشباب وأهلهم والمجتمع فكل منهم في وادٍ منفصل، ومسجون داخل وسائل التواصل الاجتماعي أو الألعاب الإلكترونية، فاختفى التواصل الروحي والروابط الاجتماعية بين الأهل والأبناء والأٌقارب، وهذا الجانب الروحي هو الدعامة الرئيسية للبقاء على الحياة ومواجهة المشاكل، ومهما عوّض الأهل الأبناء ماديًا فهذا لا يغنيهم عن هذا الجانب المهم. بالإضافة إلى غياب الهدف والأمل في حياة مستقرة مستقلة للشباب والفتيات، في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الطاحنة، مما يجعل الموت أمنيتهم الأكثر قابلية للتحقيق والتخلص من هذه التوترات.
وهكذا،
في الوقت الذي ترتجف فيه الدول الغربية وعلى رأسهم أميركا من نهاية العالم، وحرصهم على الحياة، صار الشباب والفتيات في البلدان العربية يختارون الموت بلا تردّد.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم