الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

عذراً يا وطني

المصدر: النهار - كريستينا بو حرب
عذراً يا وطني
عذراً يا وطني
A+ A-
عذراً يا وطني،
عذرًا منك على بكائنا شهداء.
عذراً منك على نزفنا جرحى.
عذرا منك على الرقود دون عاصمة.
بئس هذا الزمن وكلّ ما فيه من جبناء، نشبوا الفتنة وضحكوا على أطلال الرماد.
فهل شللنا جميعاً من وجع الوطن أم هو الألم يهزّ كياننا؟
نزفت فأبكيتنا دماء، بكيت فوقفنا أُمناء، انكسرت فهلعنا نجمع الأركان، غصّيت فخنقنا من الأكفان.
لبنان الدولة لنا. أمّا الدّويلة فهنيئاً لكم بها.
ما أصلب المباني والشوارع ‏التي لا تفوح منها رائحة الوطن، ما أتعس فراق أرض الله، لؤلؤة الغرب، بستان ملاعب الحريّة وتاريخ التَمدّن.
‏ولا بل، ما أبشع الغربة! وكم رفضت الحديث عنها... تلك التي اكفهرّت دموع أمي عند الّسماع بها خوفاً على طفولة الرّضيع وشقاء البطل الذّي نستعدّ على فراقه من دون أملٍ بلقاءٍ جديد.
لا لن نرحل يا بلدي، ولن نسمح بهزّ كيانك الملائكيّ.
لا لن أقف على أبوابك أندب على نزاعك الأليم.
لا لن أسمح بانحدارك يا وجه البركة ورسوّك إلى المجهول.
لا لن أترك هذه اللعنات في قلبي بل أحمل فيها وجع وطن مكسور الخاطر حكمه الفاسدون فأصبح متوسلاً غبطة رجاء للوقوف من جديد.
كيف وصلنا إلى ما آل إليه زمام الأمور؟
كيف وصلنا إلى مقاعد نوّاب كان يشغلها كميل شمعون واميل إدّه،
صار يُشغلها كفّارون خائفون على نفسهم من العدالة الأرضية...
كيف يجوز يا من خلق لبنان أن يفلتوا من عقائب الأرض؟
لعلّهم يحاكَمون في أعيننا حتّى ولو لم تتمّ العدالة هنا... صافو الذّهن لا نشكّ للحظة في عدالة السّماء الأبدية والنّاهية...
كيف لإنسانٍ أن يهرب و يفتخر بِهروبه من الإنصاف، بتبرئة نفسه على الإعلام أن يواجه ربّ لبنان والشّهداء؟
كيف لهذا المسؤول بعد عبوره إليك يا ربّاه أن ينظر إلى رالف، سحر، جو، ألكساندرا وكلّ من خطف له نيتراتكم أغلى ما له من جنى هذا العمر؟!
ألف رحمةٍ لك يا وطني، ولا رحمة لمن فتح مصراعي باب الغربة.
كان أجدادنا يردّدون لِجيرانهم على "الصّبحيّة" :
خوفي على إبني بالغربة...
عايش بقناعة إنّو ما رح يجي يوم نقول:
خوفي على ولادي بالوطن...
إلّا أنّ الغربة الحقيقية هي أن تصبح غريباً في بلدك. ‏
إليكم يا تجّار بلادي، إليكم يا فقراء الرحمة والإنسانية، نور لبنان لا ينطفئ ولهيبه أقوى من كل ما فيكم من فساد.
يا عواميد الموت، يا فاقدي معنى الوطنية، أصبحنا نرجو السلام في بلدٍ عمّ به الخير فلم أوصلتمونا؟
صادرتم أحلامنا وخيطان كلّ بصيص أملٍ كنّا نتضرّع إليه لننجو من جحيم عهودكم الخبيثة.
كفى يا وطني الحبيب،
كفانا موتاً ونحيباً وعزاء.
كفانا دفع فواتير الكهرباء التي لم نبصر نورها.
كفانا هلعاً إلى المستشفيات وهماً على مصير يومنا الثّاني، الذي باتت أكبر إنجازاته شراء المدعوم، تعبئة بنزين، "ما تعلق بالعجقة"، تلاقي حليب لابنك.
كفانا خوفاً من المرض لأنّ سعر الدّواء أصبح أغلى من ثمن حياتنا، في حال وجد بالطّبع.‏
كفانا ‏عيشاً على الهاوية وسط سمسراتكم التي ربطت آمالنا بسعر صرف الدولار.
كفانا دماراً لأحلام شعب لا تحدّها بقعة من بقع هذه الأرض... أحلامٌ ردعت على طوابير البنزين والوقوف في صفوف الدّواء...
كفانا عثوراً على أساساتنا الحياتية في وقت أن الحياة باتت تصفح في دولةٍ لا تعرف معنى الوداع.
كفى.
فداء كلّ مسنّ من عمر الأرز رأى الموت يختطف أيامه الأخيرة اللتي لم تبصر النور، باسطاً يديه نحو السّماء سائلاً أقوال المسيح على خشبة الصّليب :
"إلهي، إلهي لماذا تركتني؟".
فداء كلّ طفل فقد أعزّ ما لديه من دموع أمّه على خدّيه ومن نظرة أبيه، غبطة آمال سرعان ما زال وهجها الملائكي.
في الختام، فداء كلّ شهيدٍ حيّ رأى، سمع ولمس من جراح خارجية وداخلية، ما زال يرى هذا الكابوس كلّما ضاقت به مآسي الدنيا، كلّما أبصر نعشاً يبكيه وطناً رحل فداءه أبطال في عين شبابهم.. فإنّ ساعة هؤلاء لا تعرف النّسيان.
انهض يا وطني الحبيب، تجسّم بجروحك وأعد لنا بيتنا الحرّ الصّامد، بيتًا نخبر أولادنا عن بهائه.
فهل ينقلب السّحر على السّاحر، أم نقلبه نحن بأيدينا؟
مستعدّون وألف مستعدّون.
لكم حصاناتكم وعذاب الضّمير، ولنا الضّمير والعزّة والكرامة.
لكم مناوراتكم السّلطوية الأنانيّة الجشعة مثل قلوبكم، ولنا الصّلاة والتّضحية المستمرّة من أجل لبنان...
فاحذروا أيّها السفّاحون،
نحن قومٌ لم يعتد سوى تقديم الشّهداء...
إحذروا... فدماؤنا لم تنشف بعد.
"ما في شجرة وصلت عند ربنا"
وكان لبنان الضّحيّة...

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم