القانون النسبي يحمي الفاسدين... وتغييره واجب!

عدة سيناريوهات قد يشهدها لبنان، وسط انسداد آفاق حل للأزمة السياسية والاقتصادية، بسبب خلافات بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري.
وأمام هذا الجمود السوداوي، باتت البلاد مفتوحة على احتمال جديد قد يعيد خلط الأوراق، وهو ما ظهر في تلويح بعض الكتل النيابية بالاستقالة من مجلس النواب، بهدف فرض انتخابات نيابية مبكرة.
لكنّ الحديث عن اقتراب موعد الانتخابات، أدى الى فتح باب انتقاد قانون الانتخاب الحالي، باعتبار أنه منع في الاستحقاق الأخير، المواطنين من اختيار ممثليهم بحسب كفاءتهم ونزاهتهم.
ووفق البعض، القانون النسبي بعيد كلّ البعد عن الأساليب الديموقراطية السليمة، إذ أتى نتيجة تفاهم المنظومة الحاكمة، بهدف تأمين استمرار نهجها الفاسد، واستكمالاً لعملية سرقاتها من الدولة وجيوب الناس، من دون أي محاسبة.
وإذا أردنا تفصيل الأزمة اللبنانية الاقتصادية والمالية القائمة منذ أكثر من سنة ونصف السنة، نلاحظ أنّ البلاد ما كانت لتنهار اقتصادياً وتصل الى هذا الواقع المزري، لو حاول البعض السير بجديّة نحو تنفيذ الإصلاحات الضرورية لإنقاذ لبنان.
فالاغتراب اللبناني، بحسب الخبراء الاقتصاديين، لا يزال يضخّ الأموال، التي بلغت 7 مليارات ونصف العام الماضي.
فميزان الدولة، بحسب الخبراء، كان يحتسب قيمة الاستيراد بنحو 17 مليار دولار أميركي. وهذا الاستيراد كان يقابله من المغتربين اللبنانيين تحاويل بنحو 12 مليار دولار، يضاف اليهم دخل التصدير الصناعي بنحو 5 مليارات دولار، وكذلك السياحي الذي يبلغ 5 مليارات دولار، فكان للبنان فائض قليل على ميزان المدفوعات والمداخيل.
إلا أنّ حجم السرقات والصفقات والمحاصصات التي مارستها هذه المنظومة الفاسدة، أدّى إلى تفريغ كل ما بقي في خزينة الدولة من دون أيّ محاسبة. حتى وصل بهم الأمر ، لمدّ اليد إلى أموال المودعين من دون أن يرفّ لهم جفن، باعتبار أنه لا قانون يحاسب من هو موجود على الكرسيّ النيابيّ.
وعليه، تمّ التوافق الجماعي على قانون الانتخابات النسبيّ، لما يسمح لهم بالاستمرار في مخططاتهم الجهنّميّة. وهي الخطط التي أوصلت البلاد إلى قعر الهاوية، وجعلت من لبنان أفشل دولة.
من هنا، لا يمكن تغيير واقع لبنان المزري عبر الانتخابات النيابية كما يُروّج البعض، إلا إذا تغير القانون الحالي.
فبالعودة الى شكل القانون النسبي، نرى أنه يجبر المقترعين على اختيار أشخاص فاسدين نتيجة مسايرتهم لأحزابهم، بحيث يكونون شهود زور في حال فازوا، لكونهم نجحوا بأصوات رئيس اللائحة فهم مدانون لهم بالوصول. فيأتي هذا القانون بمثابة حماية السارقين والفاسدين، وتشريع كبار السارقين من رؤساء أحزاب وكتل كما هو الواقع في لبنان.

والحال أنّ الشعب المنتفض، الذي نزل في 17 تشرين الأول 2019 الى الشوارع اللبنانية كافة، من الجنوب الى الشمال، وطالب بانتخابات نيابية مبكرة، نسي أو تناسى، أنّ الانتخابات ستكون على القانون السابق أي الحالي، الذي يسمح بصوت واحد على اللائحة، بدلاً من أن يطالبوا بقانون عادل يسمح للمواطنين بإبداء الرأي وإيصال مجموعة ذات كفاءة الى المجلس النيابي.
فمن يطالب اليوم باستعادة حياته الطبيعة، والحصول على لقمة عيش كريمة، لا بد له من المطالبة بإجراء انتخابات وفق قانون جدّيّ يضمن حريّة الرأي والتعبير والديموقراطية الحقيقية. لأنه إذا أعيدت الانتخابات وفق القانون الحالي، فستعود المنظومة السياسية القائمة نفسها، من دون أي تغيير في الوجوه، وستستمر بنهب كل ما تبقى من مغانم، من دون محاسبة. وعليه، المطلوب تعديل هذا القانون، واعتماد قانون يشبه الأكثري باعتماد الدوائر الصغرى، بما يراعي التوزيع الديموغرافي الطائفي في لبنان، وفق قانون يجيز للناخب اختيار الأسماء وتركيب لائحته، وإن كان هناك مرشحون لديهم مواقف سياسية متناقضة.

وبذلك يُعطى الحق للمواطن بشطب أسماء الفاسدين الذين يفرضهم القانون الحالي، واختيار ذوي الكفاءة والقادرين على أن يكونوا مستقلين وصوتاً للشعب داخل مجلس النواب، بدلاً من القوى الفاسدة المسيطرة كما هو الواقع الحالي.