الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

النّضالُ مشروعُ حَياة

المصدر: النهار - جيزيل أبي خليل الحاج
إنْ زالَتِ الحياةُ حلَّ المَوت وإنْ زالَ النِّضالُ زالَتِ الحياة.
إنْ زالَتِ الحياةُ حلَّ المَوت وإنْ زالَ النِّضالُ زالَتِ الحياة.
A+ A-
إنْ زالَتِ الحياةُ حلَّ المَوت وإنْ زالَ النِّضالُ زالَتِ الحياة.
كلُّ مَوْلودٍ جديدٍ يَحْمِلُ مَعَهُ مَشروع حياة وكلُّ مشروعِ حياة هو مشروعُ نِضال.
يولَدُ الانسانُ فيبدأ نضالَه ومسيرةَ حياتِه. منذُ الصّغَر يُكافِح، يتعبُ وينهَك ولكنّه لا يستَسْلم. يُكافِحُ ليَغلبَ ذاتَه ويتفوَّقَ على ذاتِه ولِتكونَ لهُ حياة أفضل.
مِنْ هنا فالنّضالُ إنسانيّ، وجوديّ، لَهُ تاريخٌ وجذور وله حاضِرٌ ومُسْتَقبل.
النضالُ مشعلٌ ومسؤوليّةٌ وأمانةٌ نُسلِّمُها من جيلٍ إلى جيل، إنْ زالَ زالَتِ الحياة.
والحياةُ مشعلٌ ومسؤوليّةٌ وأمانةٌ نُسلِّمُها من جيلٍ إلى جيل إنْ زالَت حلَّ الموت.
في كلِّ آنٍ ومَكان، في كُلِّ زمانٍ وفي الحالاتِ الطبيعيّة، النّضالُ مرتبطٌ بالحياة. فَكَم بالأَحْرى في الظّروفِ الاستثنائيّة وفي زمنِ الفَوضى االمدمِّرَة القاتِلَة التي تجتاحُ حياةَ الإنسان وتُهدِّدُ وجودَه!
عندما تتعلّقُ المسألَةُ بالوجود، لا بُدّ مِنَ الحَسْم فإمّا النّضال وإمّا الزّوال.
إنّها فلسفةُ نضالٍ مُرتَبِطةٌ بفلسفةِ الوجود وهيَ تضعُ مقياساً واضحاً يُظهِرُ الأبطالَ الحقيقيّين المناضلين الذين حَسَموا القرارَ وحدّدوا الأولويّات.
إنّها فلسفةُ نضالٍ مُرتَبِطةٌ بِفَلسَفَةِ الوجود تُبيِّن أيضاً، وبشكلٍ واضِح، الهُوَّةَ بيْنَ أبناءِ الوطنِ الواحِد كما تُبيِّنُ صُلْبَ المُشكِلَة وأوْجُهَ الصِّراع.
صراعٌ حَوْلَ مفهومِ القَضِيّة وصراعٌ حَوْلَ مَعنى الوُجودِ وغايته. صِراعٌ حَوْلَ مَفْهومِ الوَطن وصِراعٌ حَوْلَ الهويّة والانْتِماء. صِراعٌ حَوْلَ مَفهومِ المُواطَنة ودورِ الإنسان ورسالته في هذا الوجود. ومَعَ هذا الصّراعِ على الأُسُسِ والثَّوابِت، يَظْهَرُ أيْضاً التَّبايُنُ حَوْلَ مَفْهومِ النِّضالِ وغايَته وتَنْطَلِقُ المُزايَداتُ وما يَنْتُجُ عَنْها مِنْ نِزاعٍ وانْقِسام. وفي خِضَمِّ النّزاعات، بَيْنَما يَنْشَغِلُ "الآنِيّون" بِتفاصيل النّزاعاتِ والصِّراعاتِ التي تَزيدُ الهُوَّةَ وتُعَمِّقُ الخلافات، يَنْشَغِلُ الحُكَماءُ والمُفَكِّرون بالعَوْدَةِ إلى العُمْقِ لِتَحْديدِ المبادِئ والقِيَمِ والمَفاهيم فَيَخُطّونَ فَلْسَفَةَ هذا الوجود وأبعادَ هذهِ الهُويَّة الإنْسانِيّة والوَطَنِيَّة فَيُعيدونَ بذلك تَوْجيهَ البوصلَة نَحْوَ الغايَةِ والهَدَف مِمّا يَفتحُ آفاقاً لِلْحَلّ وَكُلُّ حَلٍّ يَبْدأُ بالنِّضال ولا يَتَحقّقُ إلّا بالنِّضال.
فما هو النّضال؟ مَن هُمُ المناضِلون؟ كيف، لماذا، مِنْ أَجْلِ مَن ومِن أَجْلِ ماذا يُناضِلون؟! بعضُ الأمثِلَة مِنْ واقِعِ الحَياة.
الفلّاحُ يُناضِل. لماذا يُناضِلُ ومن أجْلِ مَن؟! إنّه يُناضِلُ لِيُحَوِّلَ أرضاً قاحِلَة إلى أرضٍ خَصْبَةٍ مَليئَةٍ بالغِلال، كريمَة بالعَطاء تُشبِعُ وَتُغَذّي البَشَر.
البَنّاءُ يُناضِلُ لِيُحَوِّلَ حِجارَةً مُنفَصِلَة وَمُتَفَرِّقَة إلى بِناءٍ جَميلٍ مُتَكامِلٍ يَأْوي العائلاتِ والأَعْمال.
النَّجّارُ يُناضِلُ لِيُحَوِّلَ قطْعَةَ خَشَبٍ إلى سريرٍ يحضنُ حياةً قَيْدَ النُّموّ.
عامِلُ النّظافَةِ يُناضِلُ لِيُحَوِّلَ الأماكِن إلى واحاتٍ نَظيفَة وَجَميلَة تَليقُ بالتّلاقي.
الأَهْلُ يُناضِلونَ لِيُرافِقوا أَولادَهُم على دَرْبِ النّمُوِّ والنُّضْج.
المُعَلِّمونَ يُناضِلونَ لِيُحَفِّزوا وَيُنَشّئوا وَيُدَرّبوا أجيالاً تَكْتَشِفُ قُدُراتِها وَتُنَمّي طاقاتِها وكَفاءاتِها مِنْ أَجْلِ إنسانٍ أفْضَل وَغَدٍ أفضَل.
المُهَندِسونَ يُناضِلون ليَعْلو البُنْيان ويؤمَّن الازدِهار وتتجمَل المُدُن والقُرى والأوْطان فتُصْبِح مَكاناً يَحْلو فيهِ العَيْش.
المُحامونَ والقُضاة يُناضِلون لإحقاقِ الحَقّ وتَحقيقِ العدالَة.
الأطِبّاءُ يُناضِلون لِيَنْتَصِرَ الإنسانُ على ضعفِهِ ومَرَضِهِ ويَستَعيدَ صحَّتَهُ وعافِيَتَه.
المُفكِّرونَ والكُتّابُ والصّحافيّون يُناضِلونَ لِيُطْلِقوا الفِكْرَ ويُحرِّروا الطّاقاتِ فَيَتَمَكَّنَ الإنسانُ مِنَ الغَوْصِ في مَعنى وجودِهِ وَتَحقيقِ طُموحاتِهِ وَرِسالَتِه.
الوطنُ يُناضِلُ لِيُحافِظَ على ذاتِهِ وهويّتِهِ وكيانِهِ وأبنائهِ أمانةً للتاريخ، إنقاذاً للحاضِر وَصَوْناً للمُستَقبَل.
المواطِنُ يُناضِلُ ويثورُ على الظُّلْمِ والقَهْرِ والإذْلال واللاعدالة كَيْ يَتَمَكّن مِنَ العَيْشِ بِحُرِّيَّة وكَرامَة في أرضٍ حُرَّة سَيِّدَة مُسْتَقِلّة.
وتَطولُ اللائحةُ وتَكْثُرُ الأمثِلَةُ وفي كلِّ هذه الشهادات نِضالٌ مِنْ أَجلِ الخَيْر، نِضالٌ مِن أجلِ الحياة، نضالٌ مِن أجلِ الأفضَل للإنسانِ الفَرْد، للجَماعَة، للمُجْتَمَع ولِلْوَطن.
النّضالُ إذا هوَ مَشروعُ حياة مُرتَبطٌ بخَير كلِّ إنسان وبالخيرِ العام للجماعَة في قلبِ المُجتَمَعِ وفي قلبِ الوَطن.
وانطلاقاً من هذهِ المبادئ ومِن هذا المَفهومِ للنّضالِ الذي حاوَلْنا تحليلَهُ وفَهمَه، نتساءل!
هل يناضلُ الزعماءُ والسّياسيّون في وطنِنا؟! هل نستطيعُ أن نسمّي ثباتَهم في مواقِعِهِم وتعلُّقَهم بالكرسيِّ والسُّلطَة كفاحاً ومُقاوَمَةً ونِضالاً؟!
هل احتَرَموا المَصلحَةَ العامّة خلالَ وجودهم في السُّلطَة وهل سعوا، عبرَ كلِّ هذه السّنوات، لِخدمَة الخيرِ العامّ واحترامِ الحياة؟!
أترُكُ لكم حُسْنَ التّفكيرِ والإجابَة.
فإنْ وَجَدْتُم أنّهم بأَدائهم رَفعوا شأنَ الوطنِ وحافظوا عليه وعلى صورَتِه، كرِّموهم وعظِّموهُم وملِّكوهُم في القلوب.
أمّا إذا وَجَدتُم أنّهم قدّموا الوطنَ والمواطِن على طبقٍ من الفضَّة لصاحبِ شهوةٍ أو لعابدِ سُلطةٍ أو لطامِحٍ أو لطامِع فمن الواجبِ عدم السّكوت. بَل مِنَ الواجِبِ التمرُّد وَرَفع الصّوتِ عالياً كَي يسمَعَنا العالمُ كلُّه ويعرفَ أنّنا مناضِلون في سبيلِ حقوقِنا ووجودِنا ووطنِنا.
النّضالُ ليسَ شِعاراً ولكنّه ليْسَ بالضرورةِ حرباً. النّضالُ ليسَ إلغاءً ولا سيْطَرة. النّضالُ هو تمسُّكٌ بما هُوَ جَوْهَريّ والتضحيةُ والكفاحُ دفاعاً عنه، هوَ إيمانٌ قويّ يثبّتُنا كي لا نسمحَ لِلْعدَمِ بِأن يَسْتوطِن ذواتَنا وبيوتَنا ووطنَنا. إنّه الصّخرةُ التي عليها سَنَبني وطَنَنا فلا تقوى عليهِ أبوابُ الجَحيم.
هذا هو الإرْثُ الذي وَرثناهُ مِن أجدادِنا ولا يَسَعُنا إلّا أنْ نحمِلَهُ أمامَ مَن يُصوّرونَ أنفُسَهُم الألْفا والأوميغا.
هذا هو الإرثُ الذي تَسَلَّمْناهُ أمانةً فلا يَسَعُنا إلّا أن نَكونَ امتداداً لهُ في مسيرتِنا نحوَ الوجودِ اللامتناهي الأبَدي لِوَطنٍ بارَكَهُ الخالِق وأرادَهُ أزَلِيّاً.
ويا أيُّها اللبنانيون، قاوِموا ولا تَسْتَسْلِموا. يقولونَ أنّكُم تُحبّونَ الحياة،وأنتمُ كذلك وبِكُلِّ فَخْر فهذه ليْسَت تُهمَة بَلْ انّها دَعوَة.
تَشبَّثوا بالحياة، تَمَسَّكوا بالوَطن، ناضِلوا من أجلِ الوُجود. لَكُمُ الحقُّ بِأن تُطالِبوا بِسُلطَةٍ تقومُ بواجِبِها وتَضْمَن حقوقَكم وتصون وطنَكُم!
ناضِلوا لتُعيدوا للتاريخِ قِيَمَهُ وقيمَتَه، قاوِموا لتَسْتعيدوا حياتَكُم وتَسْتَرِدّوا وَطَنَكم.
وبينَ أَن نكون أو لا نكون فلا بدَّ أن نختارَ الكَيْنونَة لا العَدَم. نِضالُنا مَشروعُ حياة حتّى النّفسِ الأخير. ومَنْ لَهُ أُذُنانِ مصغِيَتانِ فَلْيَسْمَعْ!





الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم