الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الإنتصار التونسي على الرجل الأبيض

المصدر: النهار - صبري الرابحي-تونس
لم نكن نحن العرب من مبتدعي التفرقة العنصرية المعاصرة حيث يتساوى الرجال عندنا في كل شيء ويتمايزون عن بعض بما أدركوا من بطولات
لم نكن نحن العرب من مبتدعي التفرقة العنصرية المعاصرة حيث يتساوى الرجال عندنا في كل شيء ويتمايزون عن بعض بما أدركوا من بطولات
A+ A-
لم نكن نحن العرب من مبتدعي التفرقة العنصرية المعاصرة حيث يتساوى الرجال عندنا في كل شيء ويتمايزون عن بعض بما أدركوا من بطولات، لذلك يحق لنا الفخر بأسلافنا على اختلاف ألوانهم وأعراقهم. وتجدنا نبحث عن ذلك الفخر حتى في أصغر انتصاراتنا.
كرة القدم مثلاً أنصفت كلّ ما فينا، فلم نلبث بعد في فخرنا بالمنجز السعودي التاريخي حتى لاح لنا نصر المنتخب التونسي على نظيره الفرنسي بما فيه. نصر حطّم مهزوميّاتنا وجدد أملنا في التمرّد على الحلم.
خلال أيام من انتظار يوم المقابلة كان الإعلام الفرنسي يتناوب على السخرية من رهان المباراة، لم يكن يحق للكثيرين أن يحلموا بانتصار تونسي مقنع على بطل العالم حتى إشعار آخر من الفيفا.
أسماء اللاعبين وفرقهم المتطورة والعصرية وقيمتهم السوقية كانت كلها محددة في التكهن بنتيجة المباراة من خارج دوائر الأمل والعزيمة والتحدي.
الجمهور العربي نفسه لم يكن يصدق وسوسة عروبته بأن وهم الرجل الأبيض زائل وأن تجدد التمرد عليه جائز منذ ديان بيان فو، وفوق كل أرض منصفة.
أمّا ما وراء لعبة، الأحد عشر لاعباً والكرة الجلدية فتختفي نظرة فرنسا لمستعمراتها السابقة، تلك الضعيفة المتناحرة التي لا يحق لها أن تتمرد على الإرث الاستعماري الذي لم يشكل جلاؤه العسكري إلا خطوة منقوصة من جلاء هو حقيقي لم يأتِ بعد. فطالما اعتبرت المستعمرات السابقة نفسها ضعيفة أمام فرنسا سياسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا ولم يكن الإذعان الكروي بعيداً عن كل هذا.
خلال السنوات الأخيرة وجد اليمين المتطرف في فرنسا في قضايا دحر المهاجرين والتصدي للهجرة غير الشرعية بيئة خصبة لاستمالة عديد الناخبين، حتى أن الانتخابات الفرنسية الأخيرة أثبتت ذلك وأصبحت تنذر بالخطر المحدق بمن لم يتسنَّ لهم تسوية وضعيتهم القانونية بعد أمام حملات ممنهجة من التشويه حد العنصرية والمطالبة بطردهم من التراب الفرنسي.
لقد صار اليمين المتطرف في فرنسا يضيق ذرعاً باختلاف الأعراق المستوطنة لفرنسا ويدعو إلى عودة الرجل الأبيض إلى مكانته القديمة تلك التي لا يقربها الهمج والبربر، غير أن العولمة استطاعت أن تحدث الأفاعيل في البنية العرقية للشعوب وأهمها فرنسا، فصار منتخبها الوطني خليطًا من الأفارقة والصرب والعرب، فعن أي رجل أبيض يبحث التعالي الفرنسي المغتر بالفرنسيين الوظيفيين في منتخبه القادمين من جنسيات أخرى.
الأجدر هو تجاوز الأمر وتقبل الفسيفساء العرقية التي لا تنضبط للحدود الإقليمية ولا يمكن بأي طريقة منعها من التمدد في أي مجتمع حتى ولو بلغ الأمر تحصينه بإرثه الاستعماري المتعالي على الشعوب كما تفعل فرنسا، ففي النهاية انتصرت تونس حتى في مجرد مباراة كرة قدم وكان نصرها أكبر من الانتصار في اللعبة وإنما كان هزيمة أخرى لمن يزعجه أن تكون تونس حرة.
في النهاية، أعظم ما في المباراة كان نزول الراية الفلسطينية إلى أرضية الملعب فوق سواعد شاب تونسي يلبس "الشاشية" فكان انتصار التونسيين لفلسطين أهم من أي نصر آخر عرفوه من قبل.
وما زالت كرة القدم تدهشنا برسائلها الإنسانية التي ترد تباعاً من فوق الأرض العربية شاحذة فينا عزائم أعياها الخذلان.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم