الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

بيروتشيما

المصدر: النهار - غادة المرّ
صناعٌة لبنانيّة، من صنع حكّامنا ودولتنا. فخر الصّناعة المحليّة. نحن رهائن تلكَ السّلطة، حررّونا. نحن أموات لم تُعلن وفاتهم بعد.
صناعٌة لبنانيّة، من صنع حكّامنا ودولتنا. فخر الصّناعة المحليّة. نحن رهائن تلكَ السّلطة، حررّونا. نحن أموات لم تُعلن وفاتهم بعد.
A+ A-
يا بيروت ... سلام لأرض خلقت للسّلام، وما رأت يوماً سلاماً. فمن أجلك يا بيروت نصلّي.
هذا الصّباح، صباح يحمل دموع الأطفال والشّهداء والأبرياء.
أشرقت شمس لبنان؛ منذ قليل، انبلج فجر جديد، ونمت للفاجعة براثن وصمت يشبه الصراخ والأنين والوجع، يشقّ وجه السّماء.
أشرقت الشّمس منذ قليل، ويا ليتها لم تفعل. تمهّل يا فجر الوجع، لا تسرع. تأخّر، فالوجع لا يُحتمل، والفاجعة جلل، ووطني قلبه لم يعد يحتمل.
طلع النّهار ونمت للفاجعة عيون وأفواه. لم يعد الشّهداء الّذين كانوا للأمس القريب بيننا سوى خيالات وصور. كانوا البارحة أرقاماً ومجرّد أسماء تبثها الشّاشات وتُكتب على أوراق المراسلين والصّحافيّن على أبواب المستشفيات.
اليوم أصبحوا وجوهاً وملامح بشر. كانوا للأمس ينبضون حياة وشباباً. نمَت للأرقام اللّعينة الفاجرة
وجوه وأسماء، وغدت صوراً وضحكات، تعيش في عيوننا وأفكارنا وعلى الورق وفي قلوب الأهل والأحبّة.
هذا الصّباح الفاجر والفاسق، شمسه وفجره موجعان، سيزيل ضوؤه حجاب العتمة والهروب من الحقيقة الفاقعة.
ستصبح معه اليوم تلك الأرقام، وتلك الأسماء الساكتة والنائمة في أسرّة الغفوة والنسيان،
بشراً وناساً. سنتعرّف على حكاياتهم، هواياتهم، قصّات شعرهم، ضحكاتهم وألوان عيونهم.
سنتأمّل تفاصيلهم، ونفتقد وجودهم، ونصمت أمام رحيلهم الموجع، وكيف ابتلعت الأرض والبحر
أحلامهم بلحظات، في ضجيج ليل مشؤوم وعرس فجور الإهمال.
اليوم، تحولت الأرقام والأسماء وجع وطن وموت عاصمة الحرف والأبجديّة. سيعيشون في قصص حزينة. سوف نبكيهم، وسيعيشون في الذاكرة الجماعيّة للوطن.
أشرقت شمس لبنان اليوم، بعد انجلاء الضباب وتبَعثر خيوط سُحب الدّخان وعرس الألوان في
سماء الذهول والصّمت؛ واندثر آخر خيوط العتمة والأمل. لكنّ الضوء مؤلم، سيكون لعيوننا.
سنرى الفاجعة في وضح النّهار، وهول الصدمة والدّمار.
سيصبح للفاجعة أصوات نحيب وبكاء، وسيغرق الفرح في بحيرة من الدّموع والأسى. وبخطىً ثابتة
نخرج من طور الصدمة إلى طور الحقيقة الفاجرة والمرّة، وسيصفعنا هول المأساة وفداحة الخسارة.
يا ليت شروق شمس لبنان اليوم يتأخّر ولا يأتي.
اليوم، لبنان يستيقظ من دون عاصمة.
اليوم، نحن نشيّع وندفن شهداءنا.
اليوم، لأول مرّة أموات يدفنون أمواتاً.
هذا الصّباح...
هذا الفجر المعتم، وأمام اللهِ، وأمام العالم الذي يشهد على مأساة وطن، حولّه سياسيوه وكلّ الطبقة الحاكمة الفاجرة والفاسدة، والّتي تستحقّ الرجم والشنق واللّعنة والشّتم، جحيماً ووطناً منكوباً.
اليوم، يا حكاّم وطني الّذي ابتلانا القدر بكم، بأسوأ وأقذر حكومة ومجلس نيابيّ ورؤساء دولة على وجه الأرض، وتاريخ الدّول الحديثة.
ارحلوا، وأصمتوا. لا نريد أن نرى وجوهكم العاهرة والفاسقة بعد شروق فجر الحقيقة.
بفضلكم، اليوم لبنان منكوب، صباحه ملوث بإهمالكم وفشلكم وفسادكم الّذي فاق
وغطَّى على صوت انفجار الأمس في المرفأ، ووصلت ترددّاته وأصداؤه لآخر الكون،
وإلى ربَّ السماء هناك.
اليوم… نحن نعلِن للعالم أننا رهائن لدى تلك الطبقة الحاكمة والمجرمة.
نطلب المساعدة، ونعلن أننا أموات لم تعلن وفاتهم بعد.
وإنّنا نعيش في وطن أصبح من غير عاصمة.
البارحة قتلوا العاصمة بيروت، وغداً يغتالون لبنان،
ونغدوا على لوائح تلك السّلطة رسميّاً أمواتاً.
لبيروت أقول: قومي من تحت الرّدم. قومي من تحت الردم فأنت عاصمة لا تعرف الانحناء.
قومي، فأنت من الأشياء الرائعة الّتي يخسَرها الأغبياء والجبناء.
هم لم يفقدوك، لأنّهم لم يمتلكوك، ولم يمتَلكوا روعة تاريخك وحضارتِك يوماً.
ربما لم تكوني شيئاً مُهمّاً لهم، أولئكَ الأوباش ُوالتّتَر والجَهَلة. كنت لهم مدينة وشوارع وحجراً.
ولكّنك لنا كنت العالم والتّاريخ والفخر والثقافة والقلب والوطن.
ولهم أقول: أغبياء. لملموا عاركم وارحلوا.
أنتم لا تستحقّون بيروت، ولا تستحقون هذا الوطن.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم