كيف نريد أن يُعاد العيد علينا

هل نريد أن يعاد علينا العيد في القهر والعذاب؟ بالطبع لا. هل نريد أن يعاد علينا بمشاهد الحرب والتدمير والتهجير؟ بالطبع لا. باستمرار الاستغلال وسيطرة الدول الكبيرة على الصغيرة، وتمرير مصالح القويّ على حساب الضعيف، وباستمرار القوى العظمى بإعطاء الدروس للشعوب المنكوبة ومسلوبة الحقوق، بضرورة عيش الشفافية والديمقراطية والحريّة، في حين أنّ هذه القوى نفسها تساهم بتغطية مجازر وجرائم قتل وتعدّيات على حقوق الإنسان، من قبل أنظمة ودول، لأنّها لا تريد خسارة مصالحها الاقتصادية والعسكريّة معها؟ بالطبع لا. هل نريد أن يعاد علينا العيد باستمرار بعض المسؤولين باستخفافهم بمصائر الشعوب، وكأنّها ورقة مقايضة لتحقيق انتصارات انتخابيّة؟ بالطبع لا. هل نريد أن يعاد علينا بهيمنة سلطة المال والاحتكار، وبسرقة تعب الناس وجنى أعمارهم؟ بالطبع لا. هل نريد أن يعاد العيد علينا باستمرار الدفاع عن الظالم بدل المظلوم، وباستمرار تعدّي بعض أرباب العمل على حقوق الموظّفين، وباستغلال بعض الموظّفين لوظائفهم كي ينهبوا المال العام والخاص؟ بالطبع لا. بسنّ قوانين على قياس الظالم لتوسيع صلاحياته وتمديد ولايته، وبرفض تداول السلطة وحقّ الاقتراع الحرّ؟ بالطبع لا. هل نريد أن يعاد العيد علينا بشنّ حروب على الفقراء وليس على الفقر، وبسحق الشعوب النامية وسرقة ثرواتها لتمويل جشع من يملكون المال والسلطة وحقّ تقرير مصير الشعوب؟ بالطبع لا. بالقضاء على كلّ المبادرات التي تساهم بنموّ الإنسانيّة؟ بتلويث البيئة، بيتنا المشترك؟ بالطبع لا. بعدم احترام رأي الآخر ورفض الحوار وفرض المشاريع الهدّامة بقوّة السلاح والمال؟ بالطبع لا.
إذا كيف نتمنى أن يعاد العيد علينا؟
نريد أن نقاوم بعزم رياح الحسد والضغينة والاستغلال، فلا نضيّع حياتنا بالكره والحقد.
نريد أن نُحدِث فرقاً في مسيرة مجتمعاتنا، ونوقف الشرّ المستشري فيها.
نريد أن نشجّع كلّ تطوّر يساهم في بناء الإنسان، ويكرّس مسؤوليّته تجاه أخيه الإنسان والكائنات الحيّة الأخرى.
نريد أن ننفتح على الحداثة كي نختبر غنى الحياة ونستعمل الفكر والثقافة والعلم كسلاح لمواجهة تحدّيات العصر.
نريد أن نشجّع أصحاب المبادرات الخيّرة الذين أضاءوا حياة الكثيرين وجعلوهم يقفون من جديد، رغم كلّ السقطات الموجعة، ليسلكوا طريق الصلاح.
نريد أن نكون أوفياء لكلّ من ساهم في تقدّمنا الشخصي والاجتماعي.
نريد أن نعيش ببساطة بعيداً عن حبّ السلطة والشهرة، مع ما تحتّمه علينا من مواجهات وتحدّيات.
نريد ألّا نُفرّغ التواضع من محتواه، ونعيش إنسانيتنا بواقعية وفرح ورجاء.
نريد أن نحقّق التكامل بين ثقافة الحرّيّة والحقّ في التعدّديّة والانفتاح على الآخر المختلف. ونعزّز الحوار بين الناس كي تنجلي يوماً بعد يوم حقيقة إنسانيّتنا، فنتخلّى عن النزعات الفرديّة والأنانيّة وسياسة فرّق لتسُد، والتطرّف والتعصّب الأعمى، وندعم ثقافة الاحترام المتبادل بين كلّ الثقافات.
نريد أن يكون لكلّ شعب الحقّ في تقرير مصيره بعيداً عن الإذلال السياسي العقيم، فلا يُظلم أو يُهمّش أو يُستغلّ أو يُستصغر أيّ إنسان.
نريد أن ننزع فتيل الطائفيّة التي نهدّد بها السلم الأهلي، في كلّ مرّة يشعر طرف أنّه يتهمّش أو يفقد نفوذه ومكتسباته الخاصّة. إنّ الأديان لم تكن أبداً فتيلاً للحروب لتؤجّج لمشاعر الكراهية والعداء والتعصب أو مثيرة للعنف وإراقة الدماء.
نتمنّى أشياء كثيرة هي بحاجة إلى تعاون الجميع، كباراً وصغاراً، رجالاً ونساء. فلنبدأ ورشة إعادة البناء بحيث لا يُقصى أحد من إمكانيّة وضع قدراته في خدمة الإنسان والمجتمع والوطن.