الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

يا بني ... أستودعك كرامة وبطولة

المصدر: النهار - سعد نسيب عطاالله
يا بني، والدك كان فلاحاً، وارثاً أرضه الخيّرة الواسعة عن المرحوم جدك، الذي سافر في أول شبابه إلى الولايات المتحدة الأميركية، ولم يهاجر، كما كان قرار شقيقه الأصغر الذي سرقته الغربة من تعلّقه بالوطن!
يا بني، والدك كان فلاحاً، وارثاً أرضه الخيّرة الواسعة عن المرحوم جدك، الذي سافر في أول شبابه إلى الولايات المتحدة الأميركية، ولم يهاجر، كما كان قرار شقيقه الأصغر الذي سرقته الغربة من تعلّقه بالوطن!
A+ A-
يا بني، والدك كان فلاحاً، وارثاً أرضه الخيّرة الواسعة عن المرحوم جدك، الذي سافر في أول شبابه إلى الولايات المتحدة الأميركية، ولم يهاجر، كما كان قرار شقيقه الأصغر الذي سرقته الغربة من تعلّقه بالوطن!
عمل في المهجر سنوات عديدة بجهد ومثابرة متواصلة، وأصيب هناك بمرض وأدخل إلى المستشفى، وتعافى بعد أشهر قليلة، اكتسب خلالها اللغة الإنكليزية من معالجيه، أطباء وممرضين وممرضات، وعاد إلى لبنان بعدئذٍ، مع حصيلة ماديّة نقديّة وفيرة، خوّلته شراء عقارات واسعة، تركها إرثا وثروة من بعده لأبنائه المجاهدين في الأرض.
يا بني، أنا لم أولد وملعقة فضيّة في فمي، لكنني انصرفت إلى حرث الأرض وزرعها، وكنت خلالها "فلاحاً مكفياً، وسلطاناً مخفيّاً". لم أعمل طوال عمري يوماً واحداً مقابل أجر يوميّ، بل أكرمتني الأرض المعطاءة بالخيرات والغلال الدائمة؛ ومنحني الله تعالى بكم ذرية صالحة، لي وللمجتمع اللبناني الذي نعيش فيه اليوم، مع كلّ مصاعبه ومتاعبه.
يا بني، لقد أنشأتكم على احترام الناس مع الحرص على صون كرامتكم وعنفوانكم. سعيت إلى تعليمكم في مؤسّسة تربوية مهمّة، العدد الأكبر من تلامذتها هم من أبناء وبنات الأثرياء، ومن أبناء حكّام العرب، من المحيط إلى الخليج.
يا بني، لا أمنّنك بقولي هذا، بل فعلت ذلك برضى وطيب خاطر منّي، لأنني شئتكم أن تكونوا رسل صدق، وصداقة، وعطاء، وتضحية، وصراع، من أجل خير الإنسانية، التي تتحقّق في فضاء الكوكب الأكبر، وليس في الصراع مع الطبيعة العذراء فقط!
يا بني، لقد أكملت اليوم الربيع العشرين الأخضر من عمرك، وعبرت فوق أطلال "الربيع العربي" الجاف وأحداثه الدمويّة، سيئة الذكر، وقد شارفت على إنهاء شهادتك الجامعية الأولى، ولا أرى لك مستقبلاً نيّراً وواعداً، في هذا الوطن الذي حوّله السياسيون السارقون الفاسدون إلى مغارة للّصوص، وليس إلى مزرعة، لأن المزرعة هي رمز للعطاء، وخميرة الغلال، والمواسم، والخير!
يا بني، اعذرني على ما سأورده على مسامعك الآن، وقد دأبت دائماً على أن تتحسّس منّي كلّ اللطف، والدفء، والأمن، والأمان!
يا بني، تحوم حول اللبنانيين وحولك اليوم غربان الجوع، والمرض، والجهل، والاستغلال، وأخاف عليك منها لو بقيت دائم الالتزام بما نصحتك به، لأن الأيام الآتية لا تعد بالأمن والأمان لأمثالك من المناضلين المهذّبين الخلوقين!
يا بني، أريدك أن تكون ذئباً كاسراً في مغارة الذئاب الجبناء، الذين يحرمون المرضى من العلاج، والأطفال من الحليب، والتلامذة من التحصيل العلمي، ومن دفء الشتاء القارص، والغذاء، والكساء، والدواء!
يا بني، أريدك أن تقبل مني هذا المسدس، وأن تحفظ الكتب التي اشتريتها لك في صندوق مقفل!
أريدك أن تذهب مع المسدس إلى حقلنا البعيد، وتتقن مهارة إطلاق رصاصاته بدقة وسرعة عاليتين، حتى لا تخونك فرص الجهاد والنضال المجتمعي الدموي القادم!
يا بني، لقد بعت عقارات عديدة، وأودعت مالها الوفير في حسابات مصرفية متعدّدة، حتى يكون ملاذاً آمناً لحياتك الكريمة وحياتنا في الأيام السوداء التي نحياها اليوم، وأنت تدرك اليوم أن الأموال قد أصبحت ملاذاً افتراضيّاً، لا يُمكن التعويل عليه، وقد سرقه لصوص السلطة السياسيّة والماليّة والمصرفيّة المتسلّطين على رقاب الناس الشرفاء!
يا بني، أريدك أن تبقى شجاعاً ومبادراً إلى البطولة وحفظ كرامتك وعزتك...عندما تريد الحصول على مالك من المصرف، وعندما تريد شراء الدواء لعلاجك، والغذاء لك وللجائعين المعوزين من حولك، لأن كل هذه الحالات تستدعي منك الإقدام والشراسة، من أجل مكافحة المستغلّين الجبناء، الذين يريدون تجويعك مع كل الشعب الغافل المسكين!
يا بني، إن أنسى لن أنسى أن أنصحك بعدم المرور مرور الكرام بقرب اللصوص... وكل من تلتقيهم من السياسيين وأبنائهم، وأصحاب المصارف وذريتهم، وتجار الأغذية والمحروقات، والأدوية، لأن الله، عز وجل، خالق السموات والأرض، سوف يحميك ويقف إلى جانبك، وتكون أنت المنتصر للحق والعدل!
يا بني، استودعك كلامي، واستودعك كرامة وبطولة وخيراً.
يابني، استودعك ناراً ونضالاً.
يا بني، نحن اليوم خارج زمن منطق العلم والحق، بل في أدغال وحوش كاسرة تنهش لحوم المخلوقات البشرية، وحذارِ أن تكون نعجة لوليمتهم السوداء!

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم